عن صورة المرأة في الأدب الألماني ما بعد توحد الألمانيتين، حصلت الباحثة «وفاء زويد» (مدرس اللغة بكلية الآداب، جامعة الاسكندرية) علي درجة الماجستير، قدمت الباحثة خلال أطروحتها دراسة مقارنة في بعض أعمال الأدبية، رواية «كنيسة نيكولاي» للأديب آريش لوست عام 1995 وروايتي "أبطال مثلنا" عام 1995 وفي الجزء الأصغر من شارع الشمس عام 1999 للأديب : توماس بروسيج، كما تناول بالتحليل، أيضا- الأفلام المأخوذة عن تلك الأعمال الأدبية والتي تحمل نفس الاسم. أرادت الباحثة من خلال دراستها، أن تحلل صورة المرأة في اطار التركيب الاجتماعي والثقافي للمجتمع، وذلك في اطار علاقة الشخصيات بعضها البعض، وكذلك علاقة الشخصيات النسائية والذكورية، وعلاقتهما بالمنظومة الاجتماعية الثقافية وذلك علي منهج دراسات النوع. gender studies أو التحليل الاجتماعي للشخصيات. وضمنت الباحثة رسالتها الخطاب الموجه للمستشار الألماني الشرقي من الجمعية النسائية (نساء من أجل السلام) وخطابا آخر من هذه الجمعية إلي مثيلتها في جنيف. جاءت الرسالة في ثلاثة فصول، تناولت في الأول منها الخلفية التاريخية والسياسية في مجتمع المانياالشرقية في الفترة من عام 1949 وحتي توحيد شطري ألمانيا عام 1990، كما استعرضت في هذا الفصل الحياة الأدبية والفن السينمائي خلال تلك الفترة، وأهم الاتجاهات والأعمال الأدبية والسينمائية في تلك الحقبة، وكذلك السمات المشتركة بين الأعمال الأدبية والسينمائية المختلفة لتلك العقود وكشفت الباحثة في هذا الفصل، أن الحياة السياسية في ألمانيا كان لها أبلغ الأثر علي الحياة الثقافية واتجاهاتها في تلك الفترة، وكان المجتمع في المانيا الديمقراطية مجتمعا اشتراكيا شموليا، تؤثر الدولة ومؤسساتها علي الحياة الاجتماعية والثقافة فيه، فالدولة كانت تستخدم الأدب والسينما في تدعيم قيم الاشتراكية ونشر أفكار الحزب الأوحد في المجتمع، وقد فرضت الدولة رقابة علي الأدباء، ولكن الكثير منهم قاوموا ذلك، مما عرضهم للاعتقال أو الطرد من البلاد، كما حدث للكاتب (آريش لوست) وهو ممن تناولت الرسالة بعض أعماله، كما كشفت الباحثة في هذا الفصل عن أن وضع المرأة في ذلك المجتمع وما تتضمنه دستور المانيا الديمقراطية من أبواب تتحدث عن دورها في بناء المجتمع، خاصة في فترة الثمانينيات التي زاد فيها وعي المرأة بالمجتمع وتحولت النساء من شريك أساسي في بناء المجتمع الاشتراكي إلي ثائرات رافضات للفساد والقهر والاستبداد، بما حذي بكثير منهن إلي تكوين حركات وجماعات نسائية تناهض الفساد والاستبداد، وشاركن بشكل كبير في المظاهرات التي طالبت قوات الأمن باحترام الشعب، وتدعو للتحرر والتوحد مع المانياالغربية، وينتهي الفصل باستعراض للسيرتين الذاتيتين للكاتبين (أريش لوست، توماس بروسيج، وأهم أعمالهما وما تتميز به كتاباتهما. وفي الفصل الثاني قامت الباحثة بتحليل رواية (كنيسة نيكولاي) للكاتب الألماني أريش لوست، حيث يبدأ الفصل بعرض محتوي الرواية والمنظور السردي للكاتب ولذلك فهو يتميز بالواقعية والوثائقية، ثم تتناول الدراسة تحليل الشخصيات النسائية في الرواية، وقد توصلت الباحثة إلي عدة نتائج من بحثها منها أن صورة الشخصية النسائية في الرواية منقسمة إلي نوعين: صورة المرأة المؤمنة بمبادئ المجتمع الاشتراكي والمتمسكة ببقائه، لأنها تري فيه مجدا وسلطة ، وهذه الصورة تعكسها شخصية (مريام باخر، زوجة جنرال أمن الدولة وأم لضابط بذات الجهاز يحلم أن يكمل مسيرة والده. أما الصورة الثانية فتجسدها الشخصيات النسائية من جيل الوسط وجيل الشباب، ينتمي لجيل الوسط بطلة الرواية (أستريد باخر) ، المهندسة المعمارية التي تعاني من الفساد في العمل، وأيضا القهر من سلطة الأب والأخ، مما يؤدي بها إلي الاكتئاب، ولكنها تجد الخلاص في المستشفي، عندما تلتقي (جبريلاهايت) الأم التي فقدت أحد أبنائها بعدما أطلق ضابط بالجيش الروسي النار عليه، فتكون مع شخصيات نسائية محورية أخري، جماعات وحركات تقاوم الاستبداد، وتدعو للنزول في مظاهرات مناهضة للنظام، ومقاومة الجهاز الاداري للدولة الذي يوافق علي مشروعات تؤدي لتلويث البيئة من خلال جمعيات المحافظة علي البيئة. أما جيل الشباب فهو يعكس الصورة الثورية التي تريد التغيير للحصول علي مزيد من الحرية، وتكتمل صورة المرأة في الرواية بالشخصيات الذكورية التي تتضاد أو تتكامل مع الشخصيات النسائية. شخصية البطل الضد بجسده في هذه الرواية (ألكسندر باخر) شقيق (استريد) وأيضا (كاتسمان) مدير استريد في العمل، وفي مقاطع الفلاش باك، نجد ألبرت باخر والد (أستريد) الجنرال الذي يعمل في مكتب أمن الدولة، أما الشخصيات الذكورية التي تتكامل مع الشخصيات النسائية فهي هارالد باخر، زوج أستريد، وأيضا فوكرت قسيس الكنيسة التي تدور فيها أحداث المقاومة. وتقول الباحثة أن صورتي المرأة التي توصلت إليهما الرسالة في الفصل الأول تتحقق في الفصل الثاني من خلال شخصية والدة بطل الرواية كلاوس وحبيبته إيفون، من خلال منظور سردي ساخر وعبثي يصور لنا الأديب شخصية الأم الخبيرة الصحية زوجة رجل أمن الدولة، الذي هو والد كلاوس، وهي تراقب كل تصرفات ابنها الصحية والاجتماعية، لدرجة محاولتها السيطرة علي مشاعره ورغباته الجنسية، فنري البطل وهو يعاني من ضمور في أعضائه التناسلية، مما يجعله غير قادر علي اقامة علاقة سوية بالجنس الآخر. وطرحت الرسالة موضوع عقدة أديب من خلال تحليل فرويد وأريسن فروم، وجاك لاكان، وما يكل ميتشير ليش، والذين فسروا عقدة أديب من خلال منظور القهر السياسي والاجتماعي علي الفرد. وقد تحرر كلاوس من سيطرة الأم بعد وفاة الأب، وتقابل الصورة المضادة للأم شخصية فتاة شابة تريد أن تعيش في مجتمع حر، يتعرض البطل كلاوس بعد ذلك لحادث ينتج عنه تضخم أعضاء جسده، فيعبر عن تحرره بمشهد خلعه البنطلون وعبور سور برلين عاريا تماما، صورة الأب في الرواية تتكامل مع صورة الأم لتجسد لنا نموذج العائلة في الدولة الاشتراكية، وقد تضمن هذا الفصل عرضا لأهم قوانين الأسرة والعمل التي حددت أدوار المرأة في مجتمع ألمانياالشرقية وقد أشار الكاتب للأديبة كريستا فولف التي تمثل الجيل القديم من الأدباء بينما يمثل توماس بروسيج، الكتابة الجديدة وعلي المستوي الاجتماعي الجيل الثائر عل قوالب الماضي. وأوضحت الدراسة أن صورة الشخصيات النسائية في الرواية الثالثة (في الجزء الأصغر من شارع الشمس) ، فهي منقسمة أيضا لصورتين، الشخصيات النسائية اللاتي يقاومن الاستبداد، ويغيرن الشخصيات الذكورية في الرواية، حيث تشرح لهم إليزابيث، المرأة الوجودية - كما يلقبونها، مبادئ الوجودية لسيمون دي بوفوار، وتنجح في تغيير شخصية ماريو صديقها، كما تنجح مريام في تغيير حبيبها ميخا. أما صورة شخصية والدة ميخا، فهي صورة تحمل صورة ملامح صورة المرأة التي تقبل النظام، وتحاول أن تدير عائلتها في إطار مبادئ المجتمع الاشتراكي ولكنها تحاول الهرب إلي ألمانياالغربية، وتشكل هذه المحاولة - من وجهة نظر الباحثة - نقطة تحول في شخصيتها، فترفض المجتمع ولا تشجع ابنها بعد ذلك علي الالتحاق بالدراسة في روسيا، والشخصيات الذكورية المكملة لصورة المرأة في تلك الرواية هم (ميخا) وأصدقاؤه الذين يقاومون الاستبداد بسماع الموسيقي الممنوعة، وكذلك والد ميخا، وخاله الذي يعيش في ألمانياالغربية. وفي نهاية الدراسة استعرضت الباحثة مبادئ النقد للعمل السينمائي من ناحية تحليل الصورة، والاضاءة، والديكور، وحركة الممثلين، والكادرات، والموسيقي واللغة، مشيرة إلي أن لغة الصورة السينمائية لا تترك مساحة واسعة لخيال المشاهد، حيث يفرض المخرج علي المشاهد وجهة نظره التحليلية للسيناريو. وبتحليل الباحثة للأعمال السينمائية لهذه الأعمال الأدبية، تبين أن صورة المرأة لم تختلف عن صورتها في الرواية من حيث المضمون، وهذا ما تفرضه صناعة السينما علي الأعمال الإبداعية، حيث نجد أن مساحة شخصية ايفون في فيلم (أبطال مثلنا) للكاتب الروائي وكاتب السيناريو (توماس بروسيج)، أكبر من مساحة الشخصية في الرواية، فهي تبين بشكل أوضح من الرواية دور هذه الشخصية الايجابي في الحياة السياسية، وكذلك تأثيرها علي البطل كلاوس. تم مناقشة الرسالة بكلية الآداب جامعة القاهرة، بإشراف الدكتورة ناهد الديب، أستاذ الأدب الألماني بالكلية، ومناقشة كل من: د.داليا سلامة (رئيس قسم اللغة الألمانية بآداب القاهرة)، د.باهر الجوهري، أستاذ اللغة الألماني بكلية الألسن جامعة عين شمس.