قصائد ل شاملو

سَاعة الإعدَام
وَدَار مفتاحٌ في قفلِ البَاب .
علَي شَفتَيه ارتعشَت بَسمَة
كرَقصِ الماءِ فَوقَ السَّقف
إثرَ انعِكَاسِ أشعَّةِ الشَّمس
وَدَار مفتَاحٌ في قفلِ البَاب

في الخَارِج
لَونُ الفَجرِ المبهِر
كمَا نُوتةٍ ضَائِعَة
كَان يجُولُ فَوقَ
ثقُوبِ النَّاي
بَاحثًا عَن بَيتِه . . .

وَدَار مفتَاحٌ في قفلِ البَاب
علَي شَفتَيهِ رَقصَت بَسمَة
كرَقصِ الماءِ فَوقَ السَّقف
إثرَ انعِكَاسِ أشِعَّةِ الشَّمس

وَدَار مفتَاح
فِي قفلِ البَاب .
لَيليَّات
فِي اللَّيل، كيفَ لي أن أكتُبَ قَصيدَةً
تَتحدَّث عَن قَلبِي، مِثلمَا عَن زِندِي؟
فِي اللَّيل
كَيفَ لي أن أكتُب
مِثلَ هَذِه القَصِيدَة؟

أنَا الرَّمَادُ البَاردُ الذِي يَكمُن فِيه
لَهيبُ كلِّ التَّمرُّدَات،
أنَا البَحرُ الهادِئُ الذِي تَكمُنُ فِيه
صَرخَةُ كلِّ العَوَاصِف،
أنَا السِّردَابُ المظلِمُ الذِي تَكمُن فِيه
نَارُ كلِّ الإيمَانَات .
ليليات
أنَا مَصِيرُ اليَأسِ وَالأَمَل
بِمَصِيرِي:
كُنتُ أمُوتُ مِن العَطَش،
وَلَا مَاءَ كَي أرطِّبَ شَفَتيَّ اليَابِستَين .
كُنتُ أُريدُ النَّارَ فِي مُنتصَفِ اللَّيل،
فَأشرَقَت الشَّمسُ المشِعَّةُ حتَّي
قُلتُ بِيدَيَّ أحجُب عَينَيْ .
بِمَصيرِي
أنَا مَصِيرُ اليَأسِ وَالأَمَل . . .
انظُرِي
العَامُ السَّيِّيء
عَامُ الرِّيح
عَامُ الدَّمع
عَامُ الشَّك .
عَامُ الأيَّامِ الطَّوِيلَةِ والصُّمُودِ القَلِيل
عَامٌ تَسوَّلَتْ فِيه الكِبريَاء .
العَامُ الدَّنِيء
عَامُ الوجَع
عَامُ المأتَم
عَامُ دُمُوعِ "بُورِي"
عَامُ دَمِ "مُرتَضَي"
العَامُ الكَبِيس . . .
2
الحيَاةُ لَيسَت فَخًّا
الحبُّ لَيسَ فَخًّا
وَحَتَّي الموتُ لَيسَ فَخًّا
لأنَّ الرِّفَاقَ الضَّائِعينَ أحرَار
أحرَارٌ وَأنقِيَاء . . .
3
أنَا وَجَدتُ الحبَّ فِي العَامِ السَّيّيِء
مَن يَقُول "لَا تَيأسْ"؟-
أنَا وَجَدتُ أمَلِي فِي اليَأس
وَقَمَرِي فِي اللَّيل
وَحُبِّي وَجَدتُه فِي العَام السَّيِّيء
وَحِين كُنتُ أتحوَّل رَمَادًا
التَهَبتُ .
الحيَاةُ كَانَت تَبغَضُنِي
وَأنَا ابتَسَمتُ لها،
التُّرَابُ كانَ يُعَادِينِي
وَأنَا نِمتُ فَوقَ التُّرَاب،
لأنَّ الحيَاةَ، لَيسَت سَوَادًا
لأنَّ الحيَاةَ، لَطِيفَة .
كُنتُ سَيِّئًا لَكنِّي لَم أكُن السُّوءَ
هَرَبتُ مِن السُّوء
وَالعَالَمُ لَعَنَنِي
وَأتَي العَامُ السَّيِّيء:
عَامُ دُمُوعِ "بُورِي"، عَامُ دَمِ "مُرتَضَي"
عَامُ الظَّلَام .
وَأنَا وَجَدتُ نَجمَتِي وَجَدتُ اللُّطفَ
بَلَغتُ اللُّطفَ
وَأزهَرتُ .
أنتِ طَيِّبَة
وَهذَا هُو كُلُّ الاعتِرَافَات .
أنَا صَدَقتُ وَبَكَيتُ
أمَّا هِذِه المرَّة فَأصدُقُ القَولَ لأبتَسِم
لأنَّ دَمعَتِي الأخِيرَةَ كَانَت ابتِسَامَتِي الأُولَي .
4
أنتِ طيِّبةٌ ،
وَأنَا لَم أكُن السّوءَ .
عَرفتُكِ أنتِ ،
وَجَدتُكِ أنتِ أدرَكتُكِ أنتِ وَبَاتَت كلُّ حُرُوفِي شِعرًا
وَأصبَحَتْ خَفِيفَة .
عُقَدِي أصبَحتْ شِعرًا الأعبَاءُ صَارَت كلُّهَا شِعرًا
السُّوءُ صَارَ شِعرًا والحَجَرُ صَارَ شِعرًا وَالعُشبُ صَارَ شِعرًا والعَدَاءُ صَارَ شِعرًا
وَكلُّ القَصَائدِ صَارَت لُطفًا
وَالسَّمَاءُ غنَّت نَشِيدَهَا الطَّائرُ غَنَّي نَشِيدَه، وَالماءُ غنَّي
نَشِيدَه
قُلتُ لَكِ: "كُونِي عُصفُورَتِي الصَّغِيرةَ
لأُصبِحَ شَجَرةً مُزهِرةً فيِ رَبِيعِك" .
فذاب الثلجُ، رقص القدّاحُ والشمسُ أشرقت .
نظرتُ فيما هو لطيف وتغيّرتُ
أنا نظرتُ فيما هو لطيف
لأنّكِ لطيفة، وهذا هو كلُّ الاعترافات، وأكبرُ الاعترافات .-
أنا نظرتُ في اعترافاتي
فذهب العامُ السيّيءُ وأصبحتُ حيًّا
وابتسمتِ فنهضتُ .
5
أوَدُّ لَو أكُون طيِّبًّا
أوَدُّ لَو أكُونُكِ أنتِ ولذَلِكَ أصدقُ القَول
انظُرِي:
ابقَيْ مَعِي !
نشيد الموت
وَهَذِه هِي الموجَةُ الثَّقِيلَةُ لمرُورِ الزَّمَنِ تَعبُر فيَّ .
وَهذِه هِي الموجَةُ الثَّقِيلَةُ لمرُورِ الزَّمَنِ تَعبرُ فيَّ مِثَلَ جَدوَلٍ
مِن حَدِيد .
وَهَذِه هِي الموجَةُ الثَّقِيلَةُ لمرُورِ الزَّمَنِ تَعبرُ فيَّ مِثلَ بحرٍ
مِن الفُولَاذِ وَالحجَر .
فِي ممرِّ النَّسِيمِ بَدَأتُ نَشِيدًا آخَر
فِي ممرِّ المطَرِ بَدَأتُ نَشِيدًا آخَر
وَفِي ممرِّ الظِّلَالِ بَدَأتُ نَشِيدًا آخَر .
الزَّنبَقُ وَالمطَرُ كَانَا فِيكِ
وَالِخنجَرُ وَالصَّرخَةُ فِيَّ،
النَّافُورَةُ وَالبَحرُ كَانَا فِيكِ
وَالمستَنقَعُ وَالسَّوَادُ فِيَّ .
فِي ممرَّكِ بَدَأتُ نَشِيدًا آخَر .
وَجَعَلتُ الوَرَقةَ نَشِيدًا
أشَدَّ اخضِرَارًا مِن الأكمَة
وَجَعَلتُ الموجَ نَشِيدًا
أكثَرَ نَبضًا مِن الإنسَان
وَجَعَلتُ الحبَّ نَشِيدًا
أكثَرَ طُبولًا مِن الموت
وَأشَدَّ مِن الغَابَةِ اخضِرَارًا
حَوَّلتُ الوَرَقَةَ نَشِيدًا
أكثَرَ نَبضًا مِن قَلبِ البَحر
حَوَّلتُ الموجَ نَشِيدًا
وَأكثَرَ طُبُولًا قَارِعَةً مِن الحيَاة
أنَا حَوَّلتُ الموتَ
نَشِيدًا .
الموت ...
لَم أَخشَ الموتَ يَومًا
رغمَ أنَّ يَدَيه كَانَتَا أكثَرَ هَشَاشَةً مِن الابتِذَال
خَوفِي كَان كُلُّه أجَل- مِن الموتِ فِي بِلَادٍ
تَكُونُ أُجرَةُ حَفَّارِ القُبُورِ فِيهَا
أكثَرَ
مِن ثَمَنِ حُرِّيَّةِ الإنسَان .
البَحث
العُثُور
وَثمَّ
أن تَختَارَ مَا تُرِيد
وَأن تَخلِقَ سُورًا عَالِيًا
مِن اتِك
إِن كَان لِلمَوتِ قِيمَةٌ أكثَر مِن هَذَا
فَحَاشَا حَاشَا أن أكُونَ خَشَيتُ الموتَ ذَاتَ يَوم .
الانبعاث
كُنتُ كلَّ الأَموَات :
جُثَثَ الطُّيُورِ المغَرِّدَة
وَالصَّامِتَة،
جُثَثَ أَجمَلَ الحيَوَانَات
فِي البَرِّ وَالبَحر،
جُثَثَ جَمِيعِ الآدَمِيِّين
مِن صَالِحٍ وَلَئِيم .
كُنتُ هُنَاك
فِي الماضِي
وَبِلَا أيِّ نَشِيد .
لَا سِرَّ كَان مَعِي
لَا ابتِسَامَة
وَلَا أيَّ حَسرَة .
ثمَّ رَحِيمَةً
حَلُمتِ
بِي
فَجأَةً
فَاستَيقَظتُ
مَعَك .
من ديوان "حدائق المرآيا"
يصدر قريبا عن سلسلة "آفاق عالمية"