هل كانت المرأةُ الكاملةُ تتعري في الصالة تخلع نقابها وعباءتها وتأخذ بيدي إلي الندوب العميقة يا لجسدها القائدِ الملهمِ يا لأبيضِها الذي يُغشي العيون يا لأوامرها الحرير هنا ..أَرحْ شفتيك برفق هنا..ضعْ حواسك الخمس هنا .. اسجدْ واقتربْ هنا .. داوني والتهمْ هنيئاً انظر إلي جروحي ، لا لتُشفق بل لأن لديكَ شفائي .
الملاكةُ مكسورةُ الجناحين سقطتْ من سحابة علي رأسي بينما أفكر في الخبز للعشاء باعتباره الحقيقةَ الوحيدةَ في الوجود . هل كنت في المترو عندما خاطبتني العينان العميقتان من وراء النقاب هل تقدمتُ في الزحام وأمسكتُ يدها الصغيرة ، غير عابئ بالوحوش والكائنات والعيون يدها صغيرةٌ وأصابعها تجلب الحنان هل نزلنا متشابكي الأيدي ، دون مساء الخير دون كيف الحال دون ما اسمكَ دون إلي أين هل اتخذت اللغة شكل موجات ملونة هل عبرنا من رصيف المترو إلي المياه العميقة فطاردنا حوتُ يونس لم تريد ابتلاعنا أيها الحوت ؟ لسنا نبيين وليس لنا آية لا نحمل رسالةً إلي فئة ضالة ولن نهديَ الكافرين.
لم يظهرْ القمر لاحت نجومٌ صغيرة تحولتْ إلي ومضات سجائر تقترب لستُ عجوز هيمنجواي يا أوغاد ولن تنهشوا سمكتي المياه تجف تدريجيا ، ويظهر القاع الذي نهبط إليه دغلاً كثيف العشب والظلامُ مسيطرٌ والنجومُ عيون وحوش نشعر بأنفاسها اللاهبة وزمجراتها الطريق، أين الطريق في هذا الدغل الطيني بيتي يبتعد كما لو أننا في مدينة مسحورة وحوشٌ فقط تترقبنا وتدور ببطء حول دائرة نتحرك فيها علي غير هدي وحوشٌ تنتظر أن يبدأ أحدُها النهشةَ الأولي لأن رائحةَ امرأةٍ فاغمةً تغمر الغابة لأن ملاكةً بيضاء مليئة بالجروح تتشبث بيدي
"اضغطْ علي يدي يا حارسي حتي تختفيَ الوحوش في مياهها العميقة الزرقاء وفي أدغالها الطينية اضغطْ علي يدي مثل أبي وهو يعبر بي جسر عفرين مكتوبٌ علي جبيني أن تطاردني الوحوش رأيت أسنانها الجارحة ورأيت أنني المختارة ، أن أظل علي ضفتي باكيةً لأن أبي ترك يدي ومضي إلي الحرب لأن أمي تنعي الرجل الذي يُظلّل عليها اضغطْ علي يدي ياحارسيَ السماوي وأكون لك شجرةً بعد أن يلفظك الحوت أنا يقطينةٌ لها ذراعان ولسان وردي وعينان عميقتان أنا ملاذٌ اعبرْ بي يا سيدي وملكي ودعني أريك ندوبي. انظرْ ،اللغات تسيل من عيني إليكَ موجات الشراب السائغ تغمركَ في قلب الصحراء انهل يا صاحب لغتي يا سيدي ورفيقي ولا تفلت يدي لا تسمح للأسماك المفترسة أن تتنازعني وأنت تمضي بالمركب نحو الشاطئ "
هل كانت الملاكةُ المكسورة الجناحين تتعري في الصالة وهل كنتُ أتحسس بياضها برفق وأقبّلُ ندوبها العميقة عندما عاد المشهد إلي أتون الحرب.. كيف تسقط الملاكات في الحروب علي أي جبهة كنتِ وكيف تتحول ملاكةٌ إلي فَرْجٍ يرفرف في ملاجئ المقاتلين وهم يأكلون عُلبَ التونة وينظفون رشاشاتهم بين معركة وأخري كيف السبيل إلي عشبة الدواء النادرة لجروحكِ كيف أصل إلي ماء الحياة ودونه البحورُ السبعة وكهفُ التنانين المائة وصحراءُ الربع الخالي آهٍ يا حلبُ يا قاتلةُ يا سدوم أسحقكِ كل يوم ألف مرة ألعنكِ في اليوم ألف مرة وأنتزع قلبكِ الصخريَ وأقضمه بأسناني حتي ترديَ علي الملاكة أيامَها حتي تمسحي بالنسيان الندوب حتي تعودي بالألم إلي الجحيم
يا ملاكة تأخذين رأسي بين كفيك و تشعين مثل لؤلؤة في ظلام شقتي المرتبكة أريد أن أبتلعك دفعة واحدة وأنت تشفقين عل روحي من بهائك أريد أن أحفظك بداخلي أو أدخلك أنا وأهرب و تضحكين من طفولتي زمليني زمليني زمليني زمليني تعرفين أنني كنتُ في انتظارك منذ سنوات مطرود من الجنات أنا آدم دون أن يتعلم الأسماء آدم المطروح علي الرمال في قيظ يونيه بينما تهربين أنت من الجحيم حيث المقاتلون يصلبون الملاكات علي أسرة حقيرة ويتناوبون عليهن ، إلي أن تنكسر أجنحتهن ويمتلئن بالندوب فيسقطونهن من الأعالي علي رأس رجل يفكر في الخبز لعشائه باعتباره الحقيقةَ الوحيدةَ في الوجود وعندما يضع قدمه في المترو يصادف حوتَ يونس يبحث عمن يبتلعه وعجوزَ هيمنجواي يستعد لرحلته الأخيرة وعينين عميقتين تغمرانه بكل اللغات وتمتد اليد الصغيرة بالحنان إلي يده وتقوده عبر البحار والأدغال إلي الصالة الفوضوية في شقته المتطرفة.
"أنا الملاكة الحلبيةُ العميقة العينين أنا الملاكة الحزينة المقطوعة ، أدعوك رفيقي وملكي امسحْ علي جناحيَّ يا سيدي وضُمّني برفق ضمني حتي تلتئمَ جروحي واحرثْ أرضيَ الهويني كم هي عطشي للحب الأرضُ التي تحرث كم هي عطشي للوئام الأرضُ الغارقة في الدموع أنا دليلك يا حارسي وأنت بلسمي وشفائي أنا حصانكَ المجنحُ يعلو بكَ فوق السحاب أريكَ النور ساطعا أريكَ النور خافتا أريكَ النور منحلا إلي عناصره الملونة أريكَ النعمة وهي تهمي حتي تستغني عن العالمين أنا تميمتكَ السحرية يا ملكي لا تحتاج إلي طعام أو شراب اطعم لحمي واشرب رحيقي"
هل اكتفي الشقاء من حياتي هل ابتدأ السحر وانهمرتْ النعمة مع الملاكة أهو الوقت الذي أخاصم فيه الجحيم زولو أيها الغرباء المحاصِرون زولي أيتها الكآبات زولي يا الوجوه العكرة والأدران المتحركة أتت المرأة الكاملة المرشدة وتشبثت بيدي أتت ملاكةُ حلب وقالت :اجعلني خاتما علي قلبك لأن المحبة قوية كالموت وأظل بين يديك معبودتك التي تُدخلكَ النعيم أتت الملاكة بندوبها لأن الدواء في قلبي وفي أناملي الشفاء وبين شفتي قدرها اختارتني الملاكة ونزلت معي علي رصيف المترو وهي تتخفي بعباءة ونقاب أسود وقالت :اعبر بي ياسيدي حتي لا يجدني العسسُ الطائف في المدينة احملني إلي شقتك المتطرفة لأتعري في الصالة وأنت مبهوت من ضوئي عانقني كما لم تعانق ابك بين نهدي أيامك الضائعة وابحث عن مستقبلك في شفتيَّ واعدُ مثل ثور هارب من الذبح بين ساقي الكاملتين أتت المرأة التي حاربت ألف يوم ويوم في خنادق ومنازل متهدمة ومحالٍ منهوبة ، وغرف أطفال خالية إلا من خيالاتهم علي الجدران أتت المرأة التي ضاجعها ألف ذئبٍ عنوة وصلبها ألف ذئبٍ عنوة ودمرها ألف ذئبٍ عنوة لتقوم من رمادها مثل عنقاء أسطورية وتخلع عباءتها في الصالة وتأخذ بيدي إلي نهدها الأيسر وتأمرني بعدم الكلام الكلام لها والحكايات والأسماء والمعاني والمعرفة الخالصة
أعرف الآن لم خرج آدم من الفردوس أية قوة دفعته ليعصي ليتحدي ليرفع هامته ويضرب صدره بقبضته وكيف سار علي الأشواك وعندما مسّه الجوع مد يده إلي الثمار من حوله فكانت مرة ولاذعة وأعرف كيف وضعت حواء يديها علي صدغيه وأمرته أن ينظر في عينيها ثم أخذت يده ووضعتها علي نهدها الأيسر وقالت أنا حصانكَ المجنح ياسيدي ورفيقي انسَ كل ما تعلمته دع الفلسفة واللغات الفارغة والمعاني الزائفة دع القشور التي تتخبط فيها وخذ عني المحبة دع الأيام التي كرّتْ من حياتكَ وتشرب النعمة من عيني وبدني كم حلو أنفكَ وشاربكَ كم بريئةٌ عيناك و خاليةٌ من القسوة كم صارمةٌ شفتاكَ وتحتاجان إلي لغتي
"كم أتمني ألا تلتئم جروحي وأن تظل يدكَ يا رفيقي علي نهدي الأيسر ويمينكَ تعانقني ويبقي الثور الهارب من الذبح بين ساقي إلي الأبد"
ما حاجتي لاقتفاء آثارِ الهمج علي جسدكِ ما حاجتي لوضع الملح في جراحكِ خذي شفتي إلي نهديكِ إلي كنزكِ المقدس قوديني إلي مصيري الذي انتظرته طويلا قوديني إلي الجنة لأعرف أني كنت طريد الجحيم أنا الجبل شاهدتُ النور فصرت دكّاً في صالة شقتي المتطرفة لا أريد لقلبي أن يطمئن لا أريد أن أري غير ما رأيتُ لا أتذوق غير ما طعمتُ لا أشمُّ غير ما جمعت من روائح الأرض ممتدة ووادعة والعشب ينمو تدريجيا حول المقاعد والكتب الملقاة دون اهتمام مملكتي تظهر مع كل قبلة مع اللمسة مع ابتسامتكِ الخجلي مع التماعة عينيكِ العميقتين يا الله أين كنتِ طوال السنوات الماضية وأين ضعتُ أنا بين الكائنات أين لساني وأنفي وعيناي وأصابعي وأسناني يارب امنحني القدرة علي السهر لأرعي الغزالات السارحة بين ذراعيها امنحني يارب القدرة علي العدو لآتي بالمعجزة علي بطنها المصقول يارب امنحني القدرة علي النظر لأري صورتي المنطبعة في عينيها لحظة تحتويني وامنحني يارب اليقين لأدرك أنني المختار للملاكة امنحني يارب القدرة لأتكلم بلساني وأتكلم بمحراثي وأتكلم بأسناني وشفتي
أعلم أن الذئاب عبرت بين ساقيكِ أعلم آثار مخالبها وأنيابها أعلم أن الحرائق أتت علي الحقول بين يديكِ أن القذائف دمرت المدن في عينيكِ أن الخرائب أحاطت خيالكِ أن الظلام أطفأ شموسكِ الألف أن الدماء سالت في أنهاركِ لكني رأيت قيامتكِ في شقتي المتطرفة تنبعين الآن من صالتي الفوضوية وسط الكتب الملقاة والملابس المبعثرة والأوراق التي أحرقها الوعي أنتِ النهر الذي يتدفق من حجرة النوم باتجاه المكتبة حيث تنام خيالاتي علي الرفوف عندما تعاودك الحمي علي إيقاع طلقات الرصاص ادخلي صدري أو أضعك مكان الضلع الناقص لترتاحي في منبعكِ عندما تعاودكِ الحمي أقبل ندوبكِ وجناحيك وأرسل شهبي خلف الشياطين فتختفي عندما تعاودكِ الحمي أقرأ لك حكاية الملاكة وجناحيها المكسورين وكيف سقطت علي رأس الشاعر بينما يفكر في الخبز لعشائه باعتباره الحقيقةَ الوحيدةَ في الوجود عندما تعاودكِ الحمي أضغطُ علي يدكِ الصغيرة جالبةِ الحنان وأمسحُ علي جبينكِ بشفتي وأمسدُ شعركِ فتتدفق الحكايات من شفتيكِ حكاية الحمال والبنات الثلاث حكاية فتون التي ذبحتْ عشرين مقاتلا وحكاية ملكة المجاهدات تكلمي يا ملاكةُ تكلمي باللغات كلها تكلمي بالمحبة تكلمي بالمعرفة الخالصة تكلمي.. تكلمي..