تحت عنوان "شكاوي إدوارد ليمونوف المصاب بجنون العظمة"، كتب إدوارد مقالا نشر لأول مرة عام 2000 ، يقول إن المدعوة بالنخبة الثقافية الروسية استبعدته منذ زمن طويل من عالم الأدب. إنهم يتصرفون كما لو أني ليس لي وجود، أو مت، أو لم أولد بالأساس. وهذا أمر مسل في الحقيقة، ولم اشهد في حياتي حالة مماثلة سوي حالة وحيدة فقط، وهي حالة الكاتب جان جينيه. وأنه حينما أخذ وضعه في باريس عام 1980، فوجئ بغياب الكاتب الفرنسي الموهوب العظيم تماما من المشهد الأدبي والاجتماعي في فرنسا، لا تذكره الجرائد أو المجلات، ولا يكتب عنه ناقد واحد في أي إصدار يخص الأدب. سأل المحررين والأصدقاء عن جان جينيه، هل هو حي أم ميت؟، هل هو في باريس؟، ولم يتلق اية إجابات تؤكد أو تنفي وجوده في باريس. يقولون إن هناك شائعات هنا وهناك تشير إلي أنه يعيش في أحد الفنادق الرخيصة، التي يشغلها العرب، بالقرب من مونتمارتي. لكن إدوارد عجز تماما عن الوصول إليه. ثم ذاع خبر موته، الذي تبعه وبشكل مفاجيء أحاديث ومقالات عديدة في كل الجرائد عن جان جينيه، حتي البيروقراطيون في وزارة الثقافة شرعوا في إصدار المرثيات والتحدث بخشوع وتقديس غريب عن الكاتب الراحل. يذكر أنه كتب نعيا لجينيه وأرسله إلي الجريدة الشيوعية "الثورة"، أجنبي أنا، أكتب عن أجنبي بين الفرنسيين. مؤخرا عرفت أن خطيئة جينيه أنه لم يكن مستقيما سياسيا، أي أنه لم يكن متسقا مع توجه الدولة السياسي، أي أنه كان مثليًا مارقا. لقد ساند جينيه "النمور السوداء"، وقد كان مناصرا للفلسطينيين في صراعهم للحصول علي الاستقلال وإنشاء دولة لهم، وهكذا.. لقد كان رافضا لطريقة التفكير السخيفة في عصره. لقد كان يحيا وكأنه في منطقة عزل، مثل المصابين بأمراض خطيرة، المعزولين عن باقي العالم، حتي لا يتضرر العالم من وجودهم. إنه يمثل خطرا كبيرا علي العالم، لذا وجب أن يكون بعيدا. وعن نفسه يقول إنه مثل جينيه تماما في وطنه، يجب أن يكون معزولا مستبعدا، لأنه مثل جينيه بالنسبة للفرنسيين شخص مصاب بمرض خطير. وإذا ذكره أحد الصحفيين في سياق ما عليه أن يعتذر ضمنا أو صراحة عن هذا الفعل. وهكذا يفعل زملاؤه الكتاب، حيث يتبرأون منه ويبتعدون عنه كطاعون، يعتبرونه ميتا او لم يولد بالأساس، يلهثون وراء جوائز ليس لها قيمة، مثل هذه "البوكر" الغبية، ليتصارعوا في حفلات الكوكتيل الأدبية علي صاحب المركز الأدبي الأول في الأدب الروسي، لإغواء الفتيات. لكن من المعروف أن أفضل الفتيات يضاجعن المجرمين، رجال الأعمال، السياسيين. وهنا يري نفسه أفضل من زملائه الكتاب، لأنه وبصفته قائدا لمؤسسة سياسية، فلديه فرصة أكبر بكثير منهم في مواعدة فتيات أفضل مما لديهم. يواصل أنه لم ير سوي شخص واحد يستحق حقا أن يوصف بالموهوب، رغم أنه يختلف عنه وليس بالأصالة التي يتمتع بها ليمونوف، وهو جوزيف برودسكي، لكن برودسكي أخذه الموت دون أن يقرأ له. مات جمهوره من القراء، غالبيتهم سوفيتيون، في الفترة ما بين 1986 و 1991. لذا لم يعد لبرودسكي أي وجود حقيقي، ولهذا السبب مات. يقول إدوارد إنه شعر بالوحدة قليلا بعد موت برودسكي، وقد كتب قصيدة بعد موت برودسكي يعبر فيها عن مدي شعوره بالوحدة بعد موته في هذا العالم، قال فيها: حتي برودسكي مات، نقيضي وغريمي. ليس هنا من يعيرني اهتماما. تركت وحيدا. ويؤكد ليمونوف شعوره بالملل الشديد عقب رحيل برودسكي. يري نفسه منافسا علي المستوي السياسي مع باركاشوف، حيث كان هناك اختلاف كبير بينهما في وجهات النظر، لكن يؤمن إدوارد بانتصار رؤيته علي تلك التي يتبناها باركاشوف. كان ليمونوف ينظر إلي جرينوفسكي كشحص جدير بالإعجاب عام 1992، إلا أنه صار الآن يتضاءل علي كافة المستويات، حتي وصفه ليمونوف بأنه "الأحمق الذي يلعق ظهر الحكومة". ولم يكن مارك إيميس منصفا حين وصف جرينوفسكي منذ أربعة أو خمسة أعوام أنه أكثر راديكالية من ليمونوف، كيف هذا وليمونوف يقود حزبا مؤلفا من ثمانية الاف من الشباب الثوري العفي، بينما يبقي جرينوفسكي قائدا لسبعة عشر نائبا من الفاسدين أصحاب الكروش في مجلس الدوما. ويؤكد إدوارد أن العديد من رفاقة في الحزب خلف قضبان السجن، وحاليا 18 من أعضاء الحزب البلشفي القومي في الحجز، وأن جرينوفسكي مجرد مهرج سخيف، ولم يكن مارك إيميس علي حق حين قارنه به. يملك إدوارد ليمونوف رغبة دائمة في أن يكون رقم واحد، أن يتفوق علي الجميع، وبينما هو الآن كذلك الأول- صاحب الشخصية الافضل، وربما كذلك الكاتب الأكثر إثارة في البلاد، وواحدا من أفضل من أنجبتهم روسيا علي الإطلاق، يقترب من السابعة والخمسين وقت كتابة المقال- وهو يشعر بالحزن. يرجع هذا الشعور بالحزن إلي إحساسه بالفراغ الذي تركه له برودسكي، ذلك الفراغ الذي يحتاج إلي عيون غريم تراقبه، عيون تري فيه كل العيوب، تخلق تحديا مستمرا لا يتوقف، يدفعه لمواصلة مشواره بمزيد من الحيوية والتألق. لقد مات برودسكي وترك مكانه فارغا، حتي إن ليمونوف صار يشعر بالملل، ذلك لأن برودسكي كان غريما متميزا، عاش إدوارد معه علاقة شديدة التعقيد، بين حب وكراهية، احترام وسخط، لم يحب كتابي "هذا أنا، إيديك"، لكنه استقبل كتابي "يوميات فاشل" بقدر كبير من الحسد والغيرة، وإدوار كذلك انتابه هذا الشعور وهو يقرأ بعض أعمال برودسكي. وشعر ادوار ليمونوف بالاحتياج الشديد لبرودسكي لقراءة أحد كتبه، أو حتي من له نفس قدرته، إلا أن برودسكي قد اختفي ونام للأبد في التراب في مدينة فينيسيا، ويتساءل ليمونوف: "لماذا تركتني يا غريمي جوزيف؟" وعلي كل حال فقد كتب الإثنان عن مدينة فينيسيا، لكن يعتقد إدوارد أن كتابه "وفاة أبطال العصر" أفضل بمراحل من كتابة جوزيف برودسكي الكلاسيكية عن متحف المدينة العفن. وبالنسبة لرأيه في موهبة جوزيف، يراه ليمونوف متمكنا، يتمتع بقدر من الذكاء، لديه حس نقدي يمكنه من تقدير الجيد، والشعور به، وهذا من الأشياء النادرة حقا. يحدث ليمونوف نفسه متعجبا : "بعد موت السيد، من إذن سيقرؤني؟" ذكر ليمونوف اسم الشاعر الأوكراني ديميترو كورتشينسكي كقارئ بديل محتمل لأعماله غير برودسكي، ذلك المغامر، الجندي، الموهوب، قائد ومؤسس المنظمة القومية الأوكرانية في عام 1990 في موسكو. وأن بعض الرفاق أحضروا له كتاب ديميترو "رجل وسط الحشد"، يحكي الكتاب عن الحروب والصراعات التي خاضها حزبه، يحتوي الكتاب علي العديد من التأملات الفلسفية. أعجب الكتاب ليمونوف جدا، قرأه باستمتاع بالغ، وتفهم، أنه كتاب لرجل حر، ساخر، جميل، متأمل، بروح مرحة، لا يسع المرء سوي أن يكمله حتي نهايته. يلفت إدوارد ليمونوف النظر إلي أمر مهم جدا، وهو كلام ديميترو عن الحرب في ترانسدنيستر: "جميعنا، المنظمون والمشاركون في الحرب ارتكبنا خطأ عظيما. كان من الضروري مهاجمة مناطق أوديسيا وملدوفا، لإعلان ترانسدنيستر كأرض وملاذ الثورة. يتفق إدوارد مع كورتشينسكي، فقد شارك الأول في تلك الحرب، وكان علي الجانب الآخر منها، أي المعادي لجانب ديميترو، وحدث هذا في العديد من المناسبات، كالحرب في أبخازيا، حيث شارك الجانب الروسي والشيشاني ضد الجانب الأوكراني والجورجي الذي ضم ديميترو إلي صفوفه. لا يتخيل ليمونوف أن عدوه وغريمه في تلك المعارك سيقرؤه، إذا نجا بالطبع، لأنه مطلوب اعتقاله من قبل السلطات الأوكرانية. وقد ذكر بعض الأصدقاء أن إدوارد ليمونوف كان مرصودا أثناء تواجده في الولاياتالمتحدةالأمريكية، فقد خضع العديد من معارفه ومن في دائرته للتحقيق من المباحث الفيدرالية الأمريكية. وبسؤال ليمونوف نفسه عن هذا الأمر، قال: "لم أجد الحرية الكاملة كي أكون معارضا راديكاليا للبنية الاجتماعية الحالية للبلد الذي يفتخر كونه قائد العالم الحر، لكنه لم يلحظ أياً من هذا علي أرض هذا البلد الذي يقدم نفسه كمستقبل للانسانية. ولا تختلف المباحث الفيدرالية الامريكية في حماسها لقمع المعارضين الأمريكيين تماما مثلما يفعل الكي جي بي في روسيا، رغم أن طرق المباحث الفيدرالية الأمريكية تبدو أكثر تطورا من مثيلتها في روسيا." وورد ذكر واقعة قامت بها السلطات السوفيتية بنشر شائعة تفيد بأن إدوارد ليمونوف وزوجته شاربوفا يهوديان من خلال إصدار فيزا اسرائيلية مزورة باسمهما، لكن ما إن وصل الزوجان إلي نيويورك حتي انفصلا. وقد اكتشف ليمونوف الجانب الخفي من الحلم الأمريكي أثناء الفترة التي عاشها في الولاياتالمتحدةالأمريكية بمدينة نيويورك، بعد أن تم تصنيفه معارضا عاصيا، وعاش حياة فقيرة نظرا لدخله المتواضع. حصل علي حجرة في فندق رخيص، وقضي أوقاتا طويلة بين المشردين، من بينهم من أقام معه علاقات جنسية، وهذا ما اعترف به في كتابه "الشاعر الروسي يفضل الزنوج الكبار"، الذي نشره في فرنسا. ثم حصل علي وظيفة كخادم لأحد الأثرياء الأمريكان، وقد تحدث عن هذه التجربة في كتابة "قصة الخادم". تتميز أعمال ليمونوف أنها ساخرة، رواياته إلي حد بعيد تبدو كيوميات إبداعية تصف تجاربه كشاب في روسيا، وكمهاجر في الولاياتالمتحدة. تبدو أعمال إدوارد ليمونوف فضائحية للجمهور الروسي، ما إن بدأ نشرها في الاتحاد السوفيتي خلال المرحلة الأخيرة التي سميت بمرحلة الببريسترويكا، خاصة روايته "هذا أنا، إديتشكا" التي احتوت علي العديد من النصوص الإباحية للممارسات المثلية شارك فيها الراوي ذاته. وبرر الكاتب وجود هذه النصوص بالضرورة الفنية، لكن رفيقه القومي الروسي عبر عن هلعه من هذه النصوص في أعمال ليمونوف. وقد صرح عدوه اللدود إليكساندر باركاشوف عن سخطه من ليمونوف في تصريح له لأحد الصحفيين بجريدة كامساموليسكايا برافدا قائلا: "إذا كان القائد مثليا، يمكنه خيانة وطنه." وقد أعد المخرج والسيناريست الروسي أليكساندر فيليدينسكي عام 2004 فيلما عن كتابات ليمونوف أسماه "الروسي". ومنذ تسعينيات القرن الماضي، يكتب ليمونوف بشكل منتظم في جريدة "الحياة هنا"، ثم مؤخرا في جريدة "المهجر"، التي تصدر باللغة الإنجليزية في موسكو. وهذه هي الإصدارات المعروفة التي كتب فيها ليمونوف باللغة الإنجليزية، وقد طلب ليمونوف من المحررين أن يحتفظوا بالمقالات كما هي، ب"انجليزيتها الروسية البشعة".