في الخامس والعشرين من هذا الشهر, تمر8 سنوات علي رحيل الكاتب والناقد فلسطيني المولد أمريكي الجنسية إدوارد سعيد, وهو لايزال أسطورة وعلامة لافتة للنظر ومثيرة في الثقافة العالمية بجميع مجالاتها السياسية والفنية والموسيقية. ولد إدوارد سعيد في القدس1 نوفمبر1935 لعائلة مسيحية, وكان أبوه فلسطينيا أمريكيا وأمه فلسطينية لبنانية, بدأ دراسته في كلية فيكتوريا بالإسكندرية, ثم سافر إلي أمريكا للدراسة وحصل علي البكالوريوس من جامعة برنستون في1957 ثم الماجستير في1960 والدكتوراه من جامعة هارفارد في.1964 وكان مجال تخصصه الأساسي الأدب المقارن. قضي سعيد معظم حياته الأكاديمية أستاذا في جامعة كولومبيا في نيويورك, لكنه عمل أستاذا زائرا في عدد من المؤسسات الأكاديمية مثل جامعة بيل وهارفارد وجون هوبكنز, وقد تعددت اهتماماته وكتاباته السياسية, وخاصة تلك التي كانت عن القضية الفلسطينية والدفاع عن شرعية الثقافة والهوية الفلسطينية, وعن حقوق الفلسطينيين ونظرة الغرب إلي العرب والإسلام والمسلمين وثقافات العالم الأخري, ويعتبر إدوارد سعيد أفضل من كتب في العلاقة بين الشرق والغرب, وله نظرية تقول: إن نظرة الغرب إلي الشرق كانت من البداية وستظل غير محايدة وبعيدة عن الموضوعية حتي لو كان أهل الشرق ملائكة كما أنه يشرح في كتاباته كيف ان الاعلام الغربي والخبراء وصناع السياسة الغربية يعملون لتحقيق مصالح غربية غير عادلة في نهاية المطاف, وذلك عن طريق ايجاد خطاب غربي منحاز ثقافيا إلي الغرب ومصالحه. ويعتبر كتابه الاستشراق من أهم أعماله في هذا الموضوع. من المعروف أن إدوارد سعيد كان من أشد المعارضين لاتفاقيات أوسلو وانتقد عرفات واعتبر أن هذه الاتفاقيات كانت صفقة خاسرة للفلسطينيين, فقد كان سعيد من المؤمنين بالحل المبني علي قيام دولة ثنائية القومية, وأسس مع الدكتور حيدر عبد الشافي والدكتور مصطفي البرغوثي وإبراهيم القاق المبادرة الوطنية الفلسطينية كحركة سياسية تهتم بالنهوض بالشخصية الفلسطينية واجبار العالم علي الاعتراف بالفلسطينيين. شرع إدوارد سعيد في كتابة مذكراته بعنوان خارج المكان إلي أن توفي في25 سبتمبر2003 متأثرا بمرض اللوكيميا سرطان الدم. وبرغم وفاته فإن دور النشر الأمريكية والبريطانية لاتزال تصدر كتبا عنه بالانجليزية ولغات أخري, أما باللغة العربية فلم تظهر سوي مقالات وكتب قليلة تركز علي انجازاته في موضوعات الاستشراق وعلاقة الشرق بالغرب برغم دوره الكبير في مجالات النقد المعاصر في العالم, واسهامه المحوري فيما يتعلق بمفهوم المثقف كممثل للحقيقة. حض سعيد المثقف علي المشاركة السياسية بالمفهوم العميق لهذه المشاركة, فقد تكلم إدوارد سعيد عن فيلم المومياء للمخرج الراحل شادي عبد السلام في كتابه تأملات حول المنفي ووصفه بأنه فيلم سياسي بعمق وليس متعلقا فقط بالحياة بين المومياوات, كما أن له عددا كبيرا من الدراسات التي كتبها عن الموسيقي الكلاسيكية والعروض الموسيقية وعروض الأوبرا التي جمعت بعد وفاته وصدرت في كتاب بعنوان الموسيقي فن الحدود القصوي ومن اللافت للنظر أنه اهتم أيضا بالايقاعات الجسدية التي كانت تؤديها الفنانة تحية كاريوكا ووصفها بأنها نوع من الحداثة, وذلك في كتابه خارج المكان, ومن المعروف أيضا أنه كان عازفا بارعا لآلة البيانو. ومن مؤلفات إدوارد سعيد: جوزيف كونراد, ورواية السيرة الذاتية وبدايات: القصد والمنهج والاستشراق, ومسألة فلسطين, وبعد السماء الأخيرة, ومتتاليات موسيقية, والثقافة والامبريالية, الذي يعتبر تكملة لكتابه الاستشراق وسياسة التجريد, والإسلام الأصولي في وسائل الاعلام الغربية, من وجهة نظر أمريكية, وغزة أريحا: سلام أمريكي, وأوسلو: سلام بلا أرض, وتأملات في المنفي, وأخيرا كتابه الأنسنة والنقد الديمقراطي, وهو آخر كتاب وضعه إدوارد سعيد, لكن الموت لم يتح له أن يراه مطبوعا فصدر بعد وفاته