"مع الكتب" باب شهري جديد؛ عن الكتب المفضلة والخبرات القرائية المختلفة للكُتَّاب، نفتتحه بحوار مع الكاتب والأكاديمي العراقي لؤي حمزة عبّاس صاحب العديد من الأعمال الأدبية المتميزة منها: "مدينة الصور"، "حامل المظلة"، "الكتابة". ما أول كتاب قرأته كاملًا؟ يختلط الأمر عليّ ويصعب التعيين، زقاق المدق لنجيب محفوظ أم الشيخ والبحر لهمنغواي؟ الأجنحة المتكسرة لجبران أم الأعمال الشعرية لبدر شاكر السياب؟ إنها المفاتيح التي فتحت أمام الصبي الذي كنته الباب علي الغابة. آخر كتاب قرأته وما رأيك فيه؟ قراءة جديدة لكتابين، "المسرّات والأوجاع" لفؤاد التكرلي و"451 فهرنهايت" لراي برادبري، القراءة الثانية، في العادة، تخفف قليلاً من غيبوبة المتعة وتطلق شياطين السؤال، إنها بحث عن الاشارات والآثار، يحدث بعد القراءة الثانية أن يرتقي كتاب فيدخل خزانة النفس ويهبط كتاب آخر، إنها قراءة الاختبار، حيث يكون القاريء في مواجهة الكاتب عقلاً لعقل. ولكي تكتمل الجملة أقول منحتني مسرّات التكرلي في المرّة الثانية ما لم تمنحني إياه في المرّة الأولي، وأخذت مني القراءة الثانية ل 451 برادبري بعض ما أعطتني إياه في المرّة الأولي، لم يبق من رواية برادبري أكثر من بريق الفكرة وقدرتها علي التوهج، وأُضيف مع القراءة الثانية لرواية التكرلي اكتشاف حس مضمر بالجنون الانساني في مجتمع يبدو عاقلاً، صادقاً، وحكيماً. كتاب لمؤلف آخر تمنيت لو كنت كاتبه؟ لأعترف: كلُّ كتاب جميل يخلّف حسرةً في نفسي، إنها حسرة الحياة المندفعة إلي الزوال، الحياة التي لن تمنحنا أكثر من قدراتنا المحدودة علي اكتشاف الجمال وتذوّقه. لكن الحقل الذي طالما تمنيت لو كنت صاحبه هو حقل الفرنسي أنطوان سانت إكزوبري، الباحث أبداً عن موزار الذي مات غيلة، رجل البريد الذي يواصل رحلته الصعبة ليل نهار. كتاب ترشحه لقراء أخبار الأدب؟ "غرفة مثالية لرجل مريض"، رواية قصيرة لليابانية يوكو أوغاوا، ترجمة بسام حجار. و "التلمذة الفلسفية، سيرة ذاتية لهانز جورج غادامير" بترجمة حسن ناظم وعلي حاكم. هل هناك كتاب استمتعت بقراءته رغم قناعتك بأنه غير جيد فنيًا؟ أمر مدهش حصل معي مرتين، في واحدة من روايات أورهان باموق تصوّري! لم أعش المتعة علي نحو كامل خلال قراءتي رواية (ثلج)، ظلَّ شبح المحمول الآديولوجي للعمل ماثلاً أمامي، لا أظن أن باموق استطاع معالجة أفكاره علي نحو مُحكم، لكن للتفاصيل روعتها وهي تأخذ القاريء لاكتشاف طبقات المدينة وطرق السلطة فيها، الأمر نفسه أحسسته مع رواية ربيع جابر (دروز بلغراد) التي لم تنقذها غير تفاصيل الحياة الصغيرة وشجونها العابرة. قارئ يريد القراءة لك لأول مرة، وطلب منك ترشيح عمل من أعمالك للبدء به، أي أعمالك تختار؟ ولماذا؟ رواية "مدينة الصور"، الدار العربية للعلوم 2011. لأن الصور تكذب، وفي كذبها تعيد تمثيل الوقائع، حيث يصبح الواقع نفسه احتمالاً، لكل وجه صورة ولكل حكاية وكل حلم، ذلك ما تدوّنه الرواية وهي تواصل سرد وقائعها من صورة إلي أخري، ومن حكاية إلي حلم. مع الصورة لا يُعد الحدث الماضي ماضياً حتي لو كانت صورة لمقتل الزعيم عبد الكريم قاسم أو لعبد الحليم حافظ علي سرير المرض، إنها تردم، بأكثر من حيلة، المسافة الفاصلة بيننا وبين موضوعها، حتي ليُعدّ المشهد تجديدا للواقعة لا استعادة ذكري حدث عابر. مدينة الصور، بهذا المعني، هي رواية الماضي الذي يكشف راهناً، رواية الراهن الذي لا يُجرَّد عن ماضيه، وبينهما تُرسل الصورة، في لحظة صدق، إشارتها الكاذبة، وتواصل الرواية نسج عوالمها، حيث لا تكون الصورة الحدث نفسه بل هي طاقته، روحه التي تحكي، حكايته التي تعمل الرواية علي النزول بها، عميقاً، إلي مياه الإنسان. كتاب غير مترجم للعربية تتمني أن يُترجم إليها؟ كتاب (نثر العالم) لميرلو بونتي، The Prose of the World لو طُلِب منك اختيار ثلاثة عناوين فقط لإنقاذها من كل تراث الإنسانية المكتوب، ماذا ستختار؟ سأختار ما اتفقت عليه الإنسانية، لن أجعلها تتعذب باختياراتي الشخصية وهي الماضية في رحلتها بغير توقف أو التفات: ألف ليلة وليلة. ومنطق الطير لفريد الدين العطار. ومئة عام من العزلة لماركيز. كتاب تعود لقراءته باستمرار؟ "ماكبث" لشكسبير، و"نشوار المحاضرة وأخبار المذاكرة" للقاضي التنوخي. ما الكتاب الأكثر تأثيرًا فيك/ عليك؟ أفضّل أن يكون السؤال متعلقاَ بالكاتب الأكثر تأثيراً فيّ، فالكتّاب في النهاية بعضٌ من كتبهم، إنه نيكوس كازنتزاكي، الكاتب الذي ترك في ذهني أثراً أراه يتجدد كلما تقدمت في العمر. منحتني القراءة الأولي لكتبه الكثير، كنت وقتها جندياً في الحرب العراقية الإيرانية، ليس هناك أروع من الانقطاع إلي الكتاب في مواجهة حرب مريرة طاحنة!