فتحت ثورة 25 يناير المجال لاكتشاف حجم الفساد الهائل، الذى كان فى عهد النظام السابق، وهو ما يفرض ضرورات مهمة على الرئيس الحالى الدكتور محمد مرسى، حتمية الاقتناع بأن محاربة الفساد جزء لا يتجزأ من إعادة بناء مؤسسات الدولة والتغيير الجذرى فى سبل الإدارة. وقد ذكرت فى مقالات سابقة أن محاربة الفساد المالى والوظيفى، لابد لها أن تشمل بعضا من النقاط العريضة، شاملة العدالة فى التوزيع وإعادة النظر فى الأجور والمكافآت التى لابد أن تكون متناسبة مع الوظائف، وتضمن الحياة الكريمة للكل على جميع المستويات، فلا بد من مراجعة اللوائح الوظيفية والمالية وتعديلها بما يتناسب مع عدالة التوزيع والدخل، وأن يكون هناك آليات سريعة للتشجيع والحوافز والترقيات. إن تطبيق مبادئ وقواعد الشفافية والمتابعة والمحاسبة هى الوسيلة الأولى لمحاربة الفساد على جميع المستويات، وأيضاً كما قلت سابقاً إن تطبيق الإدارة السليمة وزيادة تدريب وتأهيل الموظفين على جميع المستويات، سيمنع المحسوبية، ويشجع الآداء الوظيفى الفردى والجماعى، وأرى أنه من الضرورى جداً أن كل من يشغل وظيفة رئاسية عالية، لابد وأن يعلن عن ممتلكاته قبل قبول وظيفته وبعدها، وأن يمتنع تماماً عن تضارب المصالح الشخصية ويتفادى الكسب غير الشريف الناتج عنها. وفى سياق محاربة سلبيات الماضى، أطلب من الرئيس مرسى إنشاء لجنة لتقصى الحقائق، للتعرف على أسباب الفساد والإهمال والاضطهاد والتدهور التعليمى والصحى والسياسى التى عاشتها مصر حتى نصل إلى الدروس المستفادة من العهد السابق. وإذا لم نتعلم من الماضى فلن ننجح فى المستقبل، فعلى الرئيس إنشاء لجنة لتحديد الدروس المستفادة من عهد مبارك للتعرف على كل السلبيات فى جميع المجالات، لمساعدته فى إعادة هيكلة وبناء البلاد وفى وضع الخطة الشاملة التى تتحاشى هذه السلبيات، وعلى مراكز الدراسات والبحوث المختلفة القيام أيضا بهذه الدراسات المهمة. لابد أن نعى الأسباب التى تؤدى إلى تحول الرئيس إلى ديكتاتور يتحكم هو وأعوانه فى كل صغيرة وكبيرة، وينجح فى بناء منظمة أمنية لحمايته وليس لخدمة الشعب، وكيف أن الشعب العظيم تعرض للقهر والظلم والإهانة والإهمال، وعاش تحت سلطة فاسدة لفترة زمنية طويلة، ولابد أن نعرف الأسباب التى أدت إلى انهيار وتدهور التعليم المدرسى والجامعى والحالة الصحية وزيادة الأمراض والأوبئة، ولماذا لم يكن هناك خطة اقتصادية واستثمارية لتقدم البلاد؟ وما هى أسباب فشل الكثير من المشاريع الكبرى وفساد الخصخصة، وانتفاع فئة قليلة جداً بثروات مصر؟، ولماذا زاد الفقر والجهل والديون المستحقة على الدولة؟ ولماذا أصبحت الثقافة السائدة هى ثقافة الفساد والقائمة طويلة. نتحدث دائما عن حضارة مصر العريقة فى العصور المختلفة ونفخر بالآثار المتبقية وتقدم وحضارة القدماء المصريين، والعالم كله يفتخر بدور الحضارة المصرية فى تنمية البشرية والحضارات الأخرى، ولكننا لا نتحدث عن أسباب انهيار هذه الحضارة العظيمة التى تتلخص فى عدم تطبيق تعاليم الله، والتوريث فى الحكم والاستعباد والقهر وانعدام العدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان واستغلال السلطة ومعاملة الحاكم كأنه إله، والحقيقة أن هذا لا يختلف عما كان يحدث فى عهد مبارك، أو قد كان يحدث لو بقى نظامه. وعن طريق الدروس المستفادة نحاول أن نفهم ما هى العوامل التى تؤثر على سيكلوجية الحاكم، التى تجعله يعتقد أنه الأفضل لقيادة البلاد، وأنه الأمل الوحيد الموجود، ولا يوجد شخص آخر مثله وأن الآخرين مهما كانت مؤهلاتهم غير قادرين على القيادة، وأيضاً كيف يصل الحاكم إلى أنه يكاد أن يكون منعزلاً عن الشعب ولا يعرف شعبه بأحواله الاجتماعية والاقتصادية والصحية والتعليمية، وكيف يصل الشعب العظيم إلى حالة استسلام لفترة طويلة تخوفاً من البطش، وأثبتت الأيام أن هذا النظام الذى كان يحكم بالقبضة الحديدية هو نظام هش وضعيف قابل للانهيار الكامل فى عدد قليل من الأيام. يرتبط بما سبق التأكيد على ضرورة بناء الديمقراطية وأن يؤمن الرئيس بأنها تعتمد على وعى الشعب بحقوقه وواجباته وحقه فى المشاركة فى صياغة القرار الوطنى، ومراقبة عمل أجهزة الدولة، ومن ثم لابد وأن يبذل كل الجهد لوصول الوعى الشعبى إلى الدرجة التى تؤهله للاختيار الصحيح وتحمل المسؤولية. ويقع على عاتق الرئيس مسؤولية بناء قواعد الديمقراطية، وحماية حقوق وحرية المواطن المصرى عن طريق استخدام كل الآليات المتاحة مثل الإعلام، ومن المستحيل بناء مجتمع ديمقراطى فى يوم وليلة، وقد نحتاج إلى عدة أجيال للوصول إلى الدرجة المطلوبة من الديمقراطية، وعلى الرئيس وضع برنامج تثقيفى لتعليم الشعب المبادئ الرئيسية للديمقراطية، وما هى شروط حرية الرأى ومبادئ احترام الغير، وسياسة الحوار الإيجابى وحقوق التظاهر بدون مخالفة القوانين، أو تعطيل المصالح العامة والخاصة أو التسبب فى أى خسارة أو تدمير للممتلكات العامة والخاصة. هناك العديد من الوسائل الفعالة التى تساعد فى غرس مبادئ الديمقراطية، مثل استخدام الإعلام الحكومى، بجميع أنواعه وتشجيع الإعلام الخاص، ببرامج مكثفة عن الديمقراطية وأنواعها، وما يحدث فى العالم وما يتناسب مع مصر وما هى أوجه الديمقراطية المختلفة، لأنه فى الواقع لا توجد ديمقراطية كاملة، ومن الممكن أيضاً إضافة مادة دراسية للأطفال والشباب فى المراحل التدريسية المختلفة لتعليم ثقافة الديمقراطية وحرية التعبير، وكيفية الحوار الإيجابى المبنى على احترام الرأى الآخر، وما هى حقوق الإنسان وواجباته، وليس من الصعب أيضاً تأهيل الشباب المتعلم الذى يبحث عن فرص العمل للمساعدة فى تثقيف الشعب فى كل المدن والقرى لمحو الأمية، فالإنسان الجاهل أو الفقير لا يختار ممثليه عن فكر أو علم أو تقييم صحيح لأنه فى الواقع مشغول بكيفية الحصول على «لقمة العيش»، وكيفية ضمان أى مستوى معيشة لنفسه وعائلته، ولذلك فإنه من السهل جداً إغراؤه وشراء صوته بالقليل. ولذلك لا بد من العمل على رفع المستوى المعيشى وزيادة وعى الشعب لضمان الاختيار الصحيح. وعلى الرئيس أيضاً العمل على مساعدة بناء الأحزاب الصغيرة وتطورها وخلق المناخ المثالى للنمو السياسى والثقافى لهذه الأحزاب التى ُتمثل مستقبل مصر الديمقراطى، وخلق مناخ التعاون بين الأحزاب وبعضها للصالح العام. وعلى الرئيس القادم أن يقدر ويشجع دور المنظمات والجمعيات الأهلية ومؤسسات المجتمع المدنى وغير الحكومية وغير الربحية لأنه هذه المنظمات تلعب دوراً كبيراً فى الدول المتقدمة، وتساهم فى بناء المجتمع، وتقدم الخدمات الكثيرة مثل مساعدة الفقراء وتوعية الشعب وزيادة الثقافة وحماية البيئة وحماية حقوق الإنسان ومحاربة الفساد، والتسويق لصناعات مهمة، والاشتراك فى المؤتمرات وتنظيم ورش عمل وجمع التبرعات للصرف على الخدمات المهمة والكثير من المجالات الأخرى. هذه المنظمات تساهم أيضاً فى التعرف على مشاكل البلاد واقتراح الحلول لها وتلعب دوراً كبيراً عن طريق الغرف التجارية والمنظمات الدولية الثنائية والمؤتمرات الدولية فى جذب الاستثمارات من الأفراد والشركات والدول ونمو التبادل التجارى بين الدول، فلابد من الاستفادة من الخبرات الدولية وما يحدث فى الدول المتقدمة لما يناسب مصر. على الرئيس أن يضمن ويحافظ على حرية الإعلام الأمين وأن يكون مؤمناً بدور الإعلام الجوهرى فى زيادة ثقافة الشعب ومحاربة الفساد ومتابعة الأداء الرئاسى والحكومى. إن دور الإعلام الحر الواعى المثقف الأمين هو نقل الخبر والمعلومة الصحيحة والمؤكدة للشعب، مع تحمل مسؤولية الأخطاء وأنه يلعب دوراً كبيراً فى زيادة ثقافة الشعب، فى جميع المجالات السياسية والثقافية والتعليمية والتاريخية والاجتماعية، ويبرز أحوال مصر الداخلية والخارجية وما يحدث فى المنطقة والعالم، إن الإعلام لابد وأن يلعب دوراً كبيراً فى توعية الشعب بحقوقه وواجباته ونشر ثقافة الديمقراطية وحرية الرأى والفكر وحماية حقوق الإنسان. ولابد للإعلام أن يتحمل المسؤولية الكاملة فى نقل الأخبار والأحداث الأكيدة السليمة بدقة وبدون شائعات واتهامات ونظرية «التآمر» التى أصبحت سائدة فى المجتمع. إن الإعلام له الدور الأول فى متابعة أداء الرئيس والحكومة وهيئات الدولة فى كل مجال والتعرف على مدى النجاح وقدرة تنفيذ الخطط الموضوعة. وعلى الإعلام أيضاً أن يقوم بمتابعة أداء السياسيين المنتخبين فى مجلسى الشعب والشورى وإظهار الإنجازات والتعرف على السلبيات ونقل الصورة الحقيقية للشعب فى كل قرية وحى ومدينة ومحافظة. إن الإعلام له القدرة على محاربة الفساد على جميع المستويات ابتداء من رئيس الجمهورية إلى أقل مستوى. ولكى يحصل الإعلام على المعلومات الصحيحة فلابد أن تكون هناك وسائل وآليات للحصول على المعلومات بشفافية لمتابعة ما يحدث على المستوى الرئاسى والحكومى، وعلى الوزارات والهيئات والمحافظات نشر خططها ومشاكلها ومطالبها حتى يتسنى للإعلام الواعى متابعة الأداء، والإنجازات والتعرف على السلبيات، ومن الضرورى أن يكون لكل وزارة أو محافظة أو هيئة رئيسية، متحدث رسمى للحوار مع الإعلام، وأن يكون مسؤولاً وقادراً على أن يشرح تفاصيل الخطط والإنجازات، وهذه الوسيلة من أهم عوامل النجاح فى الدولة المتقدمة. وعلى الرئيس أن يعيد النظر فى دور وزارة الإعلام وأهميتها، لأن المجتمع الديمقراطى لا يحتاج إلى وزارة إعلام حكومية، ولكن طالما هى موجودة فلابد أن يكون لها دور كبير فى التوعية والثقافة. وعلى الإعلام أن يقوم بالتقييم الذاتى ووضع المعايير والمقاييس العالية لضمان كفاءة الإعلاميين ومعرفتهم بواجباتهم ومسؤولياتهم الكبيرة والاحترام الكامل للأفراد والمؤسسات تحت ظل القانون العادل.