ازدادت نغمة التهديد بمقاطعة الانتخابات البرلمانية هذه الأيام والتى ستجرى فى نهاية شهر أبريل القادم، من جانب جبهة الإنقاذ ذلك التكتل السياسى الذى يضم داخله جزءا كبيرا من التيارات الليبرالية واليسارية والقومية، بداية أسجل إيمانى الكامل بمبدأ المقاطعة، وهى فكرة إيجابية وسلاح فعال على الجانبين الاقتصادى والسياسى، ولكن حتى يؤتى سلاح المقاطعة أكله ينبغى على من يشهره أن يحسن اختيار الظروف المناسبة ومراعاة التوقيت السليم. ويجب أن يدرك الجميع أن سلاح المقاطعة خاصة المقاطعة السياسية هو سلاح من عدة أسلحة أخرى أو وسيلة من عدة وسائل أخرى، وليس هو السلاح الأوحد فى خوض المعارك السياسية، هذا يجعلنى أزعم بأن مقاطعة الانتخابات البرلمانية القادمة فى ظل تلك الظروف التى تمر بها البلاد غير مجد على الإطلاق، ولا فائدة ترجى من خلال التلويح به، وذلك لانتفاء الظروف التى تساعد فى إنجاحه على عكس أوقات أخرى سابقة نجح فيها. كما أن الحجج التى يسوقها الداعون إلى المقاطعة لا تقنع رجل الشارع العادى، لأن النظام الحاكم الحالى يتحدث الآن عن ضمانات تكفل إجراء انتخابات تتميز بنسبة عالية من النزاهة والشفافية من ضمنها الإشراف القضائى الكامل على جميع الدوائر الانتخابية، وذلك موجود فى الدستور، وإمكان دعوة المنظمات الحقوقية الدولية لمراقبة العملية الانتخابية وجعل مدة التصويت ليومين بدلا من يوم واحد مما سيعطى الناخب فرصة النزول للتعبير عن رأيه دون ملل أو إرهاق وبذلك تزداد أعداد الناخبين. المحلل للبورصة السياسية الآن يستخلص أن الأحزاب ذات المرجعية الدينية قد بدأ مؤشرها السياسى فى الهبوط خاصة حزب الحرية والعدالة الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين، وذلك لتغير مزاج رجل الشارع واكتشافه أن هؤلاء الذين جاءوا يبشرونه بالنهضة وأنهم يحملون الخير لمصر، إنما تلك الشعارات ما هى إلا مجرد أضغاث أحلام وأوهام لم تترجم بعد إلى أرض الواقع المرير والبائس، مما جعل الجميع يصاب بالإحباط بل وصل الأمر أن فئة لا يستهان بها تترحم على أيام مبارك وتتحسر على الأمن المفقود قائلة إن أيام مبارك بالرغم من فسادها إلا أن الأمن كان حاضرا فى الشارع بنسبة معقولة مقارنة بتلك الأيام، بل إن الحالة الاقتصادية كانت أيضا فى أعلى والغلاء كان مسيطرا عليه بعض الشىء، ولم نسمع عن عدم توافر المحروقات، يجب أن يدرك المنادون بمقاطعة الانتخابات أنهم إن نفذوا هذا التهديد واستخدموا تلك الوسيلة فإنهم بذلك يلقون بطوق النجاة للأحزاب الأخرى المشاركة والتى أغلبها إن لم يكن جميعها ذات مرجعية دينية، كما ذكرت سابقا فهناك عدة وسائل للضغط من أجل الإصلاح وتغيير المسار من أجل تحقيق المصلحة العليا للوطن مثل التظاهرات والقانون وإبراز وجهات النظر والإضرابات والمقاطعة والمشاركة فى العملية السياسية أيضا، ولكل وسيلة من تلك الوسائل أهميتها ولكن حتى تنجح أى وسيلة من هذه الوسائل ينبغى على من يستخدمها أو يلجأ إليها أن يحسن اختيار الظروف المحيطة وعنصر التوقيت حتى تظهر فعاليتها، أرى من وجهة نظرى أن خير وسيلة من تلك الوسائل فى الفترة القادمة هى المشاركة فى الانتخابات البرلمانية القادمة فإذا حصلت جبهة الإنقاذ على نسبة عالية من الأصوات وامتلكت عددا كبيرا من المقاعد والتى أرى أنها قد تقترب من نصف عدد مقاعد البرلمان لن يستطيع أى حزب أن يشكل حكومة بدونها وساعتها حتى توافق على الائتلاف ستفرض رؤاها السياسية والاجتماعية والاقتصادية والتعليمية. إلخ من رؤى تؤدى إلى إصلاح البلد، وبذلك لا توفر لحزب ما أو مجموعة أحزاب ذات مرجعية دينية اللعب منفردة على الساحة السياسية للبلد بل لو اتخذ الداعون للمقاطعة موقف المعارضة داخل المجلس ستستطيع ساعتها تصويب أخطاء من بيدهم الحكم، مما سيزيد من رصيدهم السياسى ويظهر ذلك فى أى انتخابات أخرى قادمة مستقبلا مما يهيئ الجو السياسى لهم بتشكيل حكومة منفردين ويجعل لهم اليد الطولى فى حكم البلاد، وتنفيذ مشروعاتهم وبرامجهم التى خاضت من أجلها الانتخابات، أما إذا ارتكنت إلى المقاطعة والانسحاب فإن الشعب سيشعر بضآلتها وضعفها والشعوب تحتاج إلى قواد عظام ولا تحتاج إلى معارضة تجيد فن العويل من فضائية إلى أخرى، ولا تجعل كل همها فى التظاهر أمام الميادين والمؤسسات المختلفة وقطع الطرق. ساعتها فقط سينفض الناس من حولهم وسيتخذها الحاكم حينذاك سببا فيما آلت إليه البلاد من انهيار وستتآكل شعبيتهم التى بنوها بسواعد من حديد وبمواقف مشرفة ضد استبداد وظلم العقود الماضية.