تناثرت الأحاديث عن معنى العلم فى الإسلام فمن يقول إن العلم الإسلامى هو العلم الشرعى فقط، ومن يقول إن هناك علوما بعينها حرام، مثل علم الكيمياء التى تؤخر الشيخوخة وتحارب الموت، وأنا لا أدعى شرف دراسة العلوم الشرعية الإسلامية مثل الفقه والحديث أو حتى السيرة النبوية أو غيرها وإنما كان كل علمى بها من كتب الدين التى درستها – مثلى مثل معظم الشعب – أو التى ذاكرت منها لأولادى ولا أدعى أننى أحفظ القرآن الكريم كاملا ولكنى أقرأ القرآن، والحمد لله وأفكر هناك سؤال يتبادر إلى ذهنى وأعتقد أن إجابته سيكون لها أثر كبير فى الحوار: هل العلوم الشرعية تحتاج الفهم أم الحفظ أم الاثنان معا؟ من الشكل العام للشيوخ الأفاضل الذين يتحدثون بشكل يومى فى القنوات المتخصصة أقول إن الإجابة هى الحفظ والدليل أن أى سؤال يرد إليهم تكون إجابته قال فلان عن فلان عن فلان أو ورد ذكر ذلك فى كتاب كذا باب كذا أو ربما تكون الإجابة الفهم والحفظ معا. ولكن ما هى أول كلمة نزلت فى القرآن الكريم؟ هل كانت احفظ؟ أو افهم؟ لا.. بل كانت اقرأ. والقرآن معجزة بكل المقاييس، ومن معجزاته ليس فقط أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان أميا لا يعرف الكتابة ولا القراءة وكان هذا مقصودا بالطبع لأنه لو كان شاعرا أو كاتبا أو قارئا لفتح ذلك بابا للشك فى أنه قد نقل أو ابتكر هذا القرآن حاشا لله. ومن معجزات القرآن أيضا أنه صالح لكل زمان وظروف وأن تفسيره يأخذ الشكل اللفظى المجرد والشكل المعنوى الذى ينطوى على معان أبعد من مجرد اللفظ. ولهذا جاءت كلمة اقرأ ليس فقط لما بعدها وهو بسم ربك الذى خلق بل أيضا اقرأ فقط. ومن أهم معجزات القرآن أنه يحثنا على تعلم العلوم الحديثة مثل الكيمياء والجغرافيا والتاريخ والأحياء والفيزياء.. كيف؟ سورة القصص مثلا تحكى لنا تاريخ من جاء قبلنا من الرسل والأنبياء الذين لم نلحق بهم ولم نعرف عنهم أكثر مما رواه القرآن.. أليس ذلك حثا لنا على تعلم التاريخ؟ سورة الكهف مثلا تحكى عن جغرافيا الأماكن التى ذهب إليها ذو القرنين، وتجعلنا نتخيل الصدفين والمكان الذى هرب فيه الحوت بين البحرين. الحديث عن البحر المسجور أى البحر الذى يشتعل بالنار.. لأناس يعيشون فى صحراء قاحلة ربما لم يشاهد أحد منهم البحر من قبل.. ألم يكن حافزا لهم لتعلم علوم الجغرافيا والجيولوجيا؟ الحديث عن ضيق التنفس، كأنما نصعد فى السماء.. الشعب يعيش فى مكان منبسط أقصى علاقة لهم بالصعود هى صعود أحد الجبال للاحتماء فيه من الحر أو البرد.. هل فهموا ساعتها معنى كلمة يصعد فى السماء؟ أم أن المقصود من ذلك أن نتدبر ونحاول أن نتعلم الصعود إلى الفضاء؟ ومن الأوامر المباشرة للبشر فى القرآن: أفلا يتدبرون؟ أفلا تعقلون؟ أفلا ينظرون؟ وعلم الأجنة الذى يتباهى علماء المسلمون بأن القرآن قد ذكره تفصيلا فى آياته.. ألم يكن من الأولى بعلماء المسلمين أن يكتشفوه أولا ثم يأخذه منا باقى علماء العالم بدلا من التهليل والتكبير على أنه كان موجودا منذ أكثر من ألف وأربعمائة عام؟ أليس أفضل ما نفعله لإعلاء شأن القرآن هو التدبر فيه واكتشاف معجزاته التى تحدث عنها ثم كشفها للعالم كلها ليرى ويتأكد بنفسه عظمة الإسلام والقرآن والرسول الأمى الذى تحدث عن العلم فى زمن ومكان لم يكن للعلم فيه شأن؟ ثم إن التكنولوجيا الحديثة التى يخترعها الغرب غير المسلم ونحتاج إليها فى حياتنا اليومية.. هل نعطيهم بدلا منها علومنا الشرعية؟ للأسف أننا نعطيهم ثروات أراضينا وكنوزنا بأرخص الأثمان فى مقابلها بينما لو أننا درسنا العلوم العامة ووصلنا لابتكارات جديدة فى كل المجالات لكان ذلك أفضل كثيرا مما نحن فيه الآن. نعم لقد خرجت معظم علوم الأزمنة القديمة من علماء مسلمين ولكن كان ذلك حينما عرف هؤلاء العلماء القيمة الحقيقية للإسلام وعرفوا أنه يحثهم على العمل والتفكير والقراءة والابتكار أما الآن فهم يخلقون أجيالا من (الحفيظة) الذين لا هم سوى حفظ أكبر عدد من الكتب فقط. وفى رأيى أن أكثر آية تحثنا على العلم هى قول الله سبحانه وتعالى: ويخلق مالا تعلمون. لأن الآية جاءت فى زمن المضارع المستمر وتعنى أن الله سبحانه وتعالى سوف يستمر فى خلق مالا نعلم طالما استمررنا نحن فى محاولة أن نعلم ما يخلق أليس ذلك حافزا لنا على العلم؟