حرص السلف الصالح علي كتاب الله. حفظاً. وفهماً. ومدارسة. وتدبراً. وتطبيقاً عملياً في الحياة. فعن أبي عبدالرحمن السلمي أنه قال : حدثنا الذين كانوا يقرئوننا القرآن أنهم كانوا يستقرأون من النبي صلي الله عليه وسلم وكانوا إذا تعلموا عشر آيات لم يخلفوها حتي يعملوا بما فيها من العلم. فتعلمنا القرآن والعمل جميعاً. ومن هنا أيضاً كان الاهتمام بمكاتب تحفيظ القرآن الكريم ومراكزه في مختلف المجتمعات الإسلامية. وكان أغلب قادة الفكر والرأي وزعماء الإصلاح في العالم الإسلامي كله من بين هذه الأجيال التي حفظت القرآن الكريم في الصغر. فحفظها الله تعالي ببركة القرآن الكريم في الكبر. وحفظ مجتمعاتها من غمزات الشياطين. وجعل منهم الهداة المهتدين. والأمثلة علي ذلك أكثر من أن تحصي. وذلك لأن الذاكرة في الصغر صافية طاهرة خالية من كل كدر ومن هنا تكون قدرتها الهائلة علي الحفظ بسهولة ويسر. والطفل المسلم إذا حفظ القرآن الكريم في الصغر فصح لسانه وقوي بيانه وطهر قلبه وخشعت جوارحه وتركزت معاني القرآن وقيمه النبيلة في ذاته. وترسخت في قلبه وعقله ركائز العقيدة الإسلامية السامية. ومن أبرزها: الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر. وتنزيه الخالق عن جميع صفات خلقه. وعن كل وصف لا يليق بجلاله.. والإيمان بوحدة رسالة السماء وبالأخوة بين الأنبياء. وبين الناس أجمعين الذين ينتهي نسبهم إلي أب واحد هو نبي الله آدم عليه السلام وإلي أم واحدة هي أمنا حواء عليها من الله الرضوان وما أحوج الإنسانية المضطربة. التائهة. الضائعة. المتصارعة اليوم إلي هذه القيم النبيلة وحفظ القرآن الكريم في الصغر يرسخ في قلوب حافظيه وعقولهم من حب لمكارم الأخلاق. وجميل الصفات. ما يطبعهم علي الالتزام بها. ويرفعهم في معايير الدنيا والآخرة. ويفهمهم حقيقة رسالتهم في هذه الحياة الدنيا : عباداً لله. مطالبين بعبادة ربهم بما أمر كما أنهم مطالبون بحسن القيام بواجبات الاستخلاف في الأرض بعمارتها. وإقامة شرع الله وعدله فيها. وما أجمل الاستقامة علي منهج الله! والقرآن الكريم يحفظ حامله من كل مكروه. وهذا حديث رسول الله صلي الله عليه وسلم الذي يقول فيه : "ما من رجل يأوي إلي فراشه فيقرأ سورة من كتاب الله عز وجل إلا بعث الله ملكاً يحفظه من كل شئ يؤذيه حتي يهب متي هب" "رواه الإمام أحمد". يقول صلي الله عليه وسلم "من قرأ بالآيتين من سورة البقرة في ليلة كفتاه" "رواه الإمام البخاري". يقول صلي الله عليه وسلم : "لا حسد إلا في اثنتين : رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وأطراف النار. ورجل آتاه الله مالاً. فهو ينفقه آناء الليل والنهار" "رواه الإمام مسلم". وعنه صلي الله عليه وسلم "بلغوا عني ولو آية. وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج. ومن كذب عليَّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار" "رواه الإمام البخاري". ويقول صلوات ربي وسلامه عليه : "مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن كمثل الأترجة. ريحها طيب وطعمها طيب. ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن كمثل التمرة. لا ريح لها وطعمها حلو. ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن كمثل الريحانة. ريحها طيب وطعمها مر. ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة. لا ريح لها وطعمها مر "رواه الإمامان البخاري ومسلم". وعن أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله تعالي عنها أن رسول الله صلي الله عليه وسلم بعث رجلاً علي سرية. وكان يقرأ لأصحابه في صلاتهم فيختم ب "قل هو الله أحد". فلما رجعوا ذكروا ذلك لرسول الله صلي الله عليه وسلم فقال : "سلوه لأي شئ صنع ذلك؟ فسألوه فقال : لأنها صفة الرحمن. فأنا أحب أن أقرأ بها. فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم : أخبروه أن الله يحبه" "رواه الإمامان البخاري ومسلم". وهذه الرواية تؤكد فضل تدبر القرآن الكريم وفهم دلالة آياته. لأن الله تعالي أنزله لنا نوراً وهداية في كل أمر من أمور الدنيا والآخرة. ومنهجاً ربانياً تستقيم به حياة الناس. ولا تستقيم بغيره. وذلك ألح رسول الله صلي الله عليه وسلم علي مداومة تلاوة القرآن الكريم. وتدبر معاني آياته. والعمل بأوامره واجتناب نواهيه. وحفظه ومدراسته من كل جوانبه. وحذر "صلوات الله وسلامه عليه من هجر القرآن الكريم. وشكا هاجريه إلي رب العالمين. والتنزيل ينطق علي لسانه الشريف قول ربنا تبارك وتعالي : "قال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجوراً" "الفرقان" : 30". وحذر رسول الله صلي الله عليه وسلم : كذلك من حرمان المسلم نفسه من بركات القرآن الكريم. فقال : "إن الذي ليس في جوفه شئ من القرآن كالبيت الخرب" "رواه الإمام الترمذي". وأوصي صلي الله عليه وسلم بمعاهدة القرآن باستمرار. فعن أبي موسي الأشعري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : تعاهدوا هذا القرآن. فوالذي نفس محمد بيده لهو أشد تفلتاً من الإبل في عقلها "رواه الإمامان البخاري ومسلم". كذلك حذر صلي الله عليه وسلم من التردد في تلاوة القرآن الكريم بحجة صعوبة ذلك علي بعض المسلمين من الأصول العربية ومن غير الأصول العربية. فعن أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلي الله عليه وسلم "الذي يقرأ القرآن وهو ساهر به مع السفرة الكرام البررة. والذي يقرأه وهو يشتد عليه له أجران" رواه الإمام أحمد.