لا أعرف لماذا يدخل التحريم والتحليل في كل حياتنا حتى فى الأمور السياسية البحتة التى لا تحتاج فتوى دينية، وأبرز مثال على ذلك ما أفتى به الكثير من رجال الدين بعدم جواز زيارة القدس بتأشيرة إسرائيلية، وذلك ردا على دعوة قديمة أعاد تجديدها وزير الأوقاف الدكتور محود حمدي زقزوق للمسلمين لزيارة القدس حفاظا على عروبتها وطابعها الإسلامي. ما قاله زقزقوق ليس جديدا على الإطلاق فقد سبقه المرحوم فيصل الحسيني مسئول ملف القدس السابق فى السلطة الفلسطينية، ولمن لا يعرفون المرحوم فيصل فهو إبن المناضل الفلسطيني عبد القادر الحسيني وابن شقيق مفتى فلسطين السابق الحاج أمين الحسيني، أي ينتمى إلى عائلة مقدسية عاشت في القدس ورفضت الخروج منها واللجوء إلى أي مكان في العالم، عاشت في ظل الاحتلال وقاومته، وأصرت على البقاء في الأرض والوطن دفاعا عنه وعن مقدساتنا التى تبحث عنا الآن. وفي ظل الاحتلال الإسرائيلي أنشا فيصل الحسيني بيت الشرق في القدس ليكون مؤسسة عربية فلسطينية للدفاع عن القدس والحافظ عليها في وجه محاولات تهويدها، مما أزعج الإسرائيليين كثيرا، وإضطرهم أكثر من مرة إلى إغلاق بيت الشرق. وفي أكثر من لقاء معه قال فيصل الحسيني انه يدعو العرب والمسلمين لجعل القدس قضيتهم الأولى، واقترح خطة بعنوان "اشترى زمنا في القدس"، كان من بين بنودها التشجيع على زيارة المسلمين والمسيحيين العرب للمدينة وكان يقول: أفضل وسيلة للحفاظ على القدس أن نتواجد فيها كل يوم ونقاوم مشروعات تهويدها وندعم سكانها في صمودهم الأسطوري ضد كل مشاريع الاحتلال الغاشم. رحل فيصل الحسيني عن الحياة في الكويت عام 2001 بعد جلسة مع أعضاء فى مجلس الأمة الكويتي استمرت عدة ساعات تلقى خلالها هجوما عنيفا بسبب هذه الدعوة لكنه ظل يدافع عن رأيه حتى لم يستطع قبله الصمود فتوقف عن النبض وفارق الحياة دفاعا عن القدس التى وهبها هو وكل عائلته حياتهم. ولا أعتقد أن دعوة فيصل الحسيني لزيارة القدس تعنى دعوة للتطبيع بأي حال من الأحوال، فهو من ناضل طويلا حتى يتخلى سكان القدس من الفلسطينيين عن الجنسية الإسرائيلية، وعن إجراء الانتخابات التشريعية الفلسطينية في القدس لأنها مدينة فلسطينية بشرقها وغربها على السواء. ومن هنا فإن دعوة زقزوق المسلمين لزيارة القدس تبدو تكتيكا سياسيا مشروعا، ولا علاقة لها بالتطبيع من عدمه، ولا يمكن أن نقف مكتوفي الأيدي ونترك إسرائيل تغتصب القدس كل يوم وتزيد مساحة المستوطنات بها بينما لا نفعل شيئا لمساندة سكانها حتى ولو بزيارة نقول من خلالها نحن معكم، ندافع عنكم، وندعم اقصادكم، ونساند صمودكم. ولا أعتقد بأي حال من الأحوال أن مثل هذه الزيارات ذات الهدف السياسي يمكن أن تصنف في خانة التطبيع مع إسرائيل، حتى ولو كانت بتأشيرة دخول عليها ختم إسرائيل، فهذا الختم لا يعنى أننا نمنح إسرائيل شرعية الوجود، ولا نعترف به،ا ولا نطبع معها. هناك فرق كبير بين العلاقات الاقتصادية والسياسية والثقافية مع إسرائيل، وبين زيارة لمدينة مقدسة تهدف إلى الحفاظ على قدسيتها حتى ولو رفض شيخ الأزهر والمفتى ورجال الدين مثل هذه الزيارة.. لأن القدس تنادينا وتشد على أيادينا وتصرخ لإنقاذها فلا أقل من زيارة هيب في الواقع ليست أكثر من أضعف الإيمان.