إن لغة الأمة هى لغة حضارتها وسجل ثقافتها ووعاء معارفها وحافظة تاريخها، ولكن ما يحزننا الآن أن لا نجد اللغة العربية فى المنزلة التى ينبغى أن تكون فيها، لا عند أهلها من العرب ولا عند المسلمين، فقد هانها العرب وأهدروا كرامتها وانتهكوا حرمتها وأهملوها، وأعرضوا عنها، ثم ما لبثوا أن استبدلوا بها غيرها فى شئون حياتهم، وأصبحوا جاهلين بها، ومعرضين عنها، متشدقين بعجميات اللغات دونها، ومن المحزن والمؤسف انزلاق المؤسسات الحكومية والإعلامية حتى الأزهر فى دوامة الحرب على العربية، أما المسلمون فقد نجحت قوة الاحتلال الغاشم، أن تحول بينهم وبين العربية. وكل هذه الحرب لأن وجود هذه اللغة وقوتها تعنى الفهم الصحيح للإسلام، وتعنى أيضا التوحد بين الشعوب الإسلامية، وهذا ما لا يرتضيه الاحتلال لأنه يهدد مصالحهم وأغراضهم فى بلاد المسلمين، ومن هنا جاء إعلان الحرب على العربية ومطاردتها فى كل مكان، ومثالا على ذلك ما جاء فى برتوكولات حكماء صهيون "ينبغى إبعاد المسلمين عن اللغة العربية بإضعافها وتصويرها بأنها لغة غير حضارية بل هى لغة التخلف والبداوة فتلك خطوة لازمة لإحداث التفرقة بين المسلمين من جانب وإبعادهم عن منهج دينهم من جانب آخر". وما تدمع له العيون وتدمى له القلوب، وتقشعر له الأبدان أن نجد أبناء اللغة يقودون جبهة القتال والحرب على اللغة العربية، فنجد مثلا بعض الأدباء والمثقفين من أصحاب اللغة ينادون باللغة العامية بدلا من الفصحى ومنهم كذلك لا يرى للقواعد اللغة بضرورة، ووجدنا إعلام الأمة التى من جُل مهمته هو حماية لسانه ولغته لا يهتم باللغة ولا بتعليمها وتحتل العامية مكان الفصحى حديثه، ناهيك عن سقطاته وضعف أدائه، وتشدقه ببعض الكلمات الأجنبية من باب التحضر والافتخار. وتزاد الكارثة عندما ترى معلم اللغة العربية لا يتقن لغته وليس على دراية بقواعدها، بل تبلغ الحرب أوزارها حينما تشارك الدول حكومات وشعوب فى الحرب على اللغة العربية، فتجد انتشار لمدارس اللغات الذى تنحى العربية جانبا فى تدريسها، وتجد أسماء إعلانات المحال والشركات التجارية باللغات الأجنبية، بل يزداد الأمر سوءا عندما تجد ثقافة المجتمع تتخذ من المصطلحات والتعريبات الأعجمية أداة للتفاخر والتحضر، حتى انتقلت من الحضر والعواصم إلى القرى والبوادى وأصبحت اللغة الإنجليزية هى معيار التفوق والاختيار والتوظيف والتقدم. وفى النهاية ستبقى اللغة العربية بجلالها وجمالها وسموها وشموخها ولسوف تخفت هذه الأصوات صوتا بعد صوت، ما بقى إنسان على الأرض، يتلو القرآن، وصدق الله العظيم حين قال: " فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِى الْأَرْضِ" وصدق من قال: كناطح صخرة يوما ليوهنها * * * فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل.