حسبى الله ونعم الوكيل فى "اللى خربوا البلد".. لأول وهلة لم أفهم ما تقصده السيدة التى تجلس بجانبى فى عربة المترو بهذا القول.. هل تقصد الحكام أم الثوار.. أم الاثنين. فكل طرف على شاكلته يتحدث.. يرى أن الآخر هو السبب الرئيسى فى خراب البلد وهو فقط المصلح والمنقذ، هو فقط من يصلح لحكم البلاد وإخراجها من كبوتها.. هو فقط من يملك المفتاح السحرى الذى يعجز الجميع عن إيجاده.. جميعهم مصلحون ومخّربون فى نفس الوقت. لم أنتظر كثيرا حتى أفهم ما تقصده السيدة.. فقد بدأ التوك شو البلدى بين الركاب.. أخذ الشيخ والعامل والطالب والجاهل خطوات للأمام.. وصارت السيدة فى المنتصف تدير الحوار من على الكرسى المخصص لذوى الاحتياجات الخاصة! قالت هما إيه اللى وداهم الاتحادية.. عايزين يحرقوا القصر ليه.. بيخربوا ليه فى البلد.. هيا البلد ناقصة! وبدأ النقاش الساخن بين المحللين السياسيين.. انقسموا إلى فريقين.. فريق مع السيدة وفريق ضدها.. كل فريق يود إفحام الآخر بالمعلومات والتصورات والآراء السياسية المبنية على معلومات موثوقة من القنوات غير الموثوقة التى يتابعونها ليل نهار حتى أصبحوا يرددون ما يسمعون دون محاولة للتفكير فيه. اجتمع أنصار عيسى وباسم وسعد والإبراشى فى اليمين واجتمع أنصار خميس وأبو إسلام وشعبان وبدر فى اليسار، وانطلق المترو مسرعا فى محطاته إلى أن حدث ما أفقده انطلاقه. جاءت إشارة مفاجئة للسائق تأمره بالتوقف.. هناك مجموعة تعترض المترو وتعتصم على القضبان وتوقف المترو فى محطة التحرير! فارتفع الضجيج بين الناس ما بين سب وشتم وتعاطف وتأييد.. وصارت العربة أشبه بمسرح توك شو كبير.. تجتمع فيه مصر بكل فئاتها وآرائها. قال أحدهم بصوت مرتفع، لا لوم على الثوار فيما يفعلون.. شباب ثائر قتل أصحابه وأخواته أمام عينه.. سرقت ثورتهم وثروتهم وأحلامهم وتاريخهم أمام أعينهم.. ضاعت حقوق شهدائهم أمام أعينهم.. سجن وسحل أقاربهم أمام أعينهم.. أهينت كرامتهم أمام أعينهم.. ماذا تنتظرون منهم غير أنهم يكونوا ضد النظام. رد أحدهم، ليس هؤلاء من نزلوا يوم 25 يناير.. تقدروا تقولوا ما ذنب جنود الأمن المركزى حتى يسبوا ويضربوا بالحجارة.. ما ذنب البلد حتى تحرق منشآتها.. ما ذنب الناس التى تعيش بجوار ميادين الاعتصام.. ما أفهمه جيدا أنه حتى وأن اختلفنا مع الرئيس فى بعض الأمور علينا أن نصبر أربع سنين ونرى ما يمكن فعله لأنه أول رئيس منتخب.. ولو فشل نغيره. رد ثالث قائلا.. إذا ما ذنب مبارك حتى نحاسبه.. ماذا فعل مبارك أكثر مما فعله مرسى فى شهور قليلة.. إذا تتحدثون عن العيش والحرية والعدالة والكرامة.. أهدرت جميعها فى ستة أشهر.. ولو تحدثتم عن بطش الشرطة وقتل متظاهرين.. أليس من قتل أمام الاتحادية وفى الذكرى الثانية لمحمد محمود متظاهرين.. يفرق إيه جيكا وكريستى عن مينا دانيال والشيخ عماد وسيد بلال وأحمد بسيونى.. وإذا كنتم تتحدثون عن الكرامة يفرق فى إيه حمادة صابر عن أم عباية بكباسين عن خالد سعيد.. وإذا كنتم تتحدثون عن الحرية تفرق فى إيه معتقلات مبارك عن معتقلات مرسى وأمن دولة مبارك وأمن وطن مرسى.. وإذا كنتم تتحدثون عن الهيمنة والسيطرة والاستبداد يفرق فى إيه الحزب الوطنى عن الحرية والعدالة ويفرق إيه التوريث عن التمكين والأخونة. للأسف.. أصبحنا وبما لا يدع مجالا للشك نسير على القضبان.. نواجه قطارا سريعا أهوج.. لا يميز بين الجميع.. لن يفرق بين مؤيد أو معارض.. سيدهس الجميع إذا أراد.. مصر على القضبان.. أفيقوا.. يرحمكم الله.