البلشي يطلق حملة لتعديل المادة 12 من قانون الصحافة واستعادة الكارنيه كتصريح وحيد للعمل    جدول امتحانات الترم الثاني 2025 لجميع المراحل والصفوف في الإسماعيلية    هل طلاب الصفين الثاني والثالث الثانوي ملزمون برد «التابلت» بعد الدراسة؟.. الوزارة تجيب    نقيب الصحفيين يطلق حملة لتعديل المادة 12 من قانون تنظيم الصحافة والإعلام    الإحصاء: 18% ارتفاعًا في الصادرات المصرية إلى الدول العربية خلال 2024    سرقة أكثر من 200 مليون جنيه.. تفاصيل جديدة في واقعة أكبر سرقة كهرباء بأكتوبر    بروتوكول تعاون بين "مياه الجيزة" و"هندسة عين شمس" لتعزيز البحث والتطوير في قطاع المياه    تطورات جديدة بشأن "سكن لكل المصريين 5".. أعداد المتقدمين بكل مدينة وموعد "رسائل الأولوية"    التنمية المحلية: إزالة 4161 حالة تعدٍ على أراضي الدولة والأراضي الزراعية خلال الأسبوع الأول من الموجة ال26 خلال أسبوع    نقيب البيطريين: نعمل على منع انتقال الأمراض من الحيوان إلى الإنسان عبر الرقابة الدقيقة على الغذاء    غرفة السياحة: لجان مشتركة مع الوزارة بالمنافذ لمتابعة رحلات الحج البري    توريد 499 ألف طن من القمح لصوامع وشون الشرقية    لحين حل الدولتين، مسودة إعلان بغداد تطالب بقوات حفظ سلام في فلسطين    كوريا الشمالية تنتقد أمريكا لإبقائها في قائمة الدول التي لا تتعاون في مكافحة الإرهاب    عاجل- ترامب: اتفاق وقف إطلاق النار بين الهند وباكستان منع حربًا نووية    السلطات الأمريكية: هروب 10 سجناء في نيو أورليانز عبر فتحة بجدار زنزانة    رئيس الإسكواش: أبطالنا على الطريق الصحيح وبطولة العالم خير دليل    «تغولت على حقوق الأندية».. هجوم جديد من «الزمالك» على الرابطة    تأكيدًا لمصراوي.. السكة الحديد تعلن مواعيد حجز تذاكر قطارات عيد الأضحى    قرارات النيابة لكشف ملابسات هتك عرض 3 أطفال داخل حمام مسجد بمدينة نصر    متهمو "خلية داعش الهرم" أمام القضاء اليوم (تفاصيل)    رياضة السنطة تنظم قافلة رياضية بقرية الرجبية بالغربية (فيديو)    الداخلية: ضبط 478 دراجة نارية لعدم ارتداء الخوذة    وزارة التعليم تحدد سن التقدم للصف الأول الإبتدائي.. يبدأ من 6 سنوات    اليوم.. استئناف ربة منزل على حكم إعدامها بتهمة قتل زوجها بمساعدة عشيقها    للمسافرين اليوم.. مواعيد قطارات الإسكندرية- القاهرة السبت 17 مايو 2025    موهبة لا أكل عيش!    منال سلامة عن الزعيم في عيد ميلاده: " عادل إمام من مدرسة فؤاد المهندس ومدبولي"    وزارة الثقافة تفتح المتاحف مجانًا للجمهور احتفاءً باليوم العالمي للمتاحف    أول رد من جورج وسوف على شائعات وفاته    انطلاق مهرجان «المهن التمثيلية» للمسرح المصري 1 أغسطس    لرفع الوعي.. محافظ أسيوط يقرر تخصيص طابق كامل بالوحدة المحلية بأولاد إلياس لإقامة قصر ثقافة    بث مباشر.. انطلاق أعمال القمة العربية ال 34 بمشاركة الرئيس السيسى    حكم من نسي قراءة الفاتحة وقرأها بعد السورة؟.. أمين الفتوى يوضح    وسط ارتفاع درجات الحرارة، عاملات النظافة بالإسماعيلية يتقاسمن زجاجات المياه الباردة (صور)    قصر العيني يحتفل ب 80 عامًا على تأسيس قسم المسالك ويطلق برنامجًا لأطباء الامتياز    بحضور وزير الصحة.. بدء احتفالية اليوم العالمي للطبيب البيطري    مسئول أممي: الأمم المتحدة لديها القدرة لتقديم المساعدات في غزة    سبع دول أوروبية تطالب إسرائيل برفع الحصار عن غزة    الأرجنتين تعلق استيراد الدجاج البرازيلي بعد تفشي إنفلونزا الطيور    لو مريض سكر وضغط.. 11 خطوة تجنبك أي مضاعفات فى الموجة الحارة    دار الإفتاء المصرية: الأضحية شعيرة ولا يمكن استبدالها بالصدقات    متحدث "الحكومة العراقية": القمم العربية أصبحت منصة لتقريب وجهات النظر ومواجهة الانقسامات    موعد مباراة الزمالك وبتروجت في الدوري والقنوات الناقلة    محام: أحكام الشريعة الإسلامية تسري على المسيحيين في هذه الحالة    اللقب مصرى.. مصطفى عسل يتأهل لمواجهة على فرج فى نهائي بطولة العالم للاسكواش    نقيب العلاج الطبيعي: إحالة خريجي التربية الرياضية للنيابة حال ممارسة الطب    أزمة «محمود وبوسي» تُجدد الجدل حول «الطلاق الشفهي»    قافلة دعوية ل«الأزهر» و«الأوقاف» و«الإفتاء» إلى شمال سيناء    مقتل عنصر أمن خلال محاولة اقتحام لمقر الحكومة الليبية في طرابلس    اجتماع لحزب الاتحاد في سوهاج استعدادا للاستحقاقات الدستورية المقبلة    حزب الجيل: توجيهات السيسي بتطوير التعليم تُعزز من جودة حياة المواطن    وليد دعبس: مواجهة مودرن سبورت للإسماعيلي كانت مصيرية    ما حكم من مات غنيا ولم يؤد فريضة الحج؟.. الإفتاء توضح    غزل المحلة يطيح ب بابافاسيليو بعد ربعاية الجونة في الدوري    شقيقة سعاد حسني ترد على خطاب عبد الحليم حافظ وتكشف مفاجأة    أموريم: شيء واحد كان ينقصنا أمام تشيلسي.. وهذه خطة نهائي الدوري الأوروبي    جوميز: شعرنا بأن هناك من سرق تعبنا أمام الهلال    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سيت كوم "الثورة"
نشر في اليوم السابع يوم 12 - 02 - 2013

دعنى أحكى لك عن نوع من أنواع الكوميديا.. اسمه "سيت كوم"، وبالإنجليزية "Sitcom" وهو اختصار لكلمة أطول هى "situation comedy"، وهى تعنى "كوميديا الموقف"، لعلك تعرف هذا النوع وشاهدت منه مسلسلات أجنبية شهيرة، وهناك محاولات مصرية عديدة لمحاكاة هذا النوع من الكوميديا مثل "تامر وشوقية"، "العيادة"، وغيرها من المسلسلات.
يقول السادة منتجو المسلسلات فى مصر، إن هذا النوع ربما لا يلائم ذائقة المصريين، وأقول أنا- العبد الفقير إلى الله-: إن هذا النوع صنع خصيصاً للشعب المصرى.. وإليك أسبابى.
تعتمد "كوميديا الموقف" بالأساس على أمرين، الأول، هو عدم وجود أحداث مهمة، فالحلقة عبارة عن سلسلة من الأحداث العادية جداً فى حياة أى شخص.. وبالتالى، لا يمكنك أن تلحظ مثلاً فى حلقة من الحلقات أن البطل رمى يمين الطلاق على زوجته، لماذا؟، لأن الحلقات منفصلة متصلة، وبالتالى، ستبدأ كل حلقة والبطل والبطلة كما هما.. دون طلاق أو ولادة مثلاً، أو غيرها من الأحداث الهامة وغير العادية.
الأمر الثانى، هو اعتماد كل حلقة عادة على "سوء فهم" لدى طرف من الأطراف، حول موقف معين، ويظل طوال الحلقة وهو يظن فى الطرف الآخر شيئا ما، حتى نصل إلى نهاية الحلقة، ويفهم البطل الموقف بصورة سليمة، وتوتة توتة.. خلصت الحدوتة..
بالذمة، كيف نجرؤ على وصف هذا النوع من الكوميديا بأنه غير ملائم للشعب المصرى؟، فى رأيى أنه ملائم جداً، ملائم لأقصى درجة، افتح أى قناة أخبار وشاهد برامج السهرة، ادخل على يوتيوب مثلاً، وراقب الفيديوهات الأعلى مشاهدة، وستلاحظ كيف أنها كلها تنتمى لكوميديا الموقف.
أبسطهالك..
راقب معى كيف نعيش فى ذات الحلقات المنفصلة المتصلة من الكوميديا.. قرار غبى من السلطة، (وقرارات السلطة كما يبدو تستحق أن نصفها كلها بالغباء)، ثم اعتراضات تليفزيونية من أشخاص لا علاقة لهم بالشارع.. اعتراضات تحمل كلها كلمات من نوعية "الانقلاب على الشرعية"، "اختطاف الدولة"، "سقوط دولة القانون"، وغيرها من الكلمات الرنانة التى يمكن أن تجدها أن قادتك الصدفة وفتحت أى كتاب من الكتب التى يدرسها الطلبة فى كلية الحقوق..
ثم، الدعوة إلى مظاهرة، لا يهم من الذى قام بالدعوة على الإطلاق، أى صفحة على فيس بوك قادرة على الدعوة إلى مظاهرة ووصفها بالمليونية (طبعاً أنا وأنت مع حق التظاهر السلمى المكفول للجميع، لكنك كما تعلم أن حق تسمية المظاهرة بالمليونية لا تنص عليه المبادئ العامة لحقوق الإنسان، والأحكام العامة لعلم المنطق).. سيكون من المسلى هنا أن تكون الصفحة بعنوان مثير، وليكن "ثورة الغضى الخامسة والخمسين".
فور أن تصدر الدعوة للمظاهرة/ المليونية، تتصدر الشاشات مرة جديدة وجوها أخرى تنتمى لمعسكر السلطة، (السلطة دائماً موجودة فى معسكر، لكن هذا لا يعنى أنها عسكرية بالضرورة!)، تندد، تشجب، تحذر، وتقول كلمات من نوعية "الانقلاب على الشرعية"، "اختطاف الدولة"، "سقوط دولة القانون"، وتضيف إليها "العمالة للخارج"، "الفلول"، "الملحدين العلمانيين الكفرة الفجرة"، وكلها كلمات أيضا يمكن أن تجدها إن قادتك الصدفة وفتحت كتب طلبة كلية الحقوق.
ولأنها مظاهرة لا تقف وراءها مطالب واضحة.. فسرعان ما يجد العنف طريقه إلى الشارع، والعنف فى هذا المسلسل، يحدث لأتفه الأسباب، قنبلة غاز من الأمن المركزى (الغبى، الجاهل، غير المدرب، والذى ينتمى لوزارة مطلوب تطهيرها)، أو حرق إطار سيارة قديم من أى متظاهر، أو حتى مواطن عادى مر بالصدفة بجوار مظاهرة، وشعر أن لديه رغبة فى إشعال إطار سيارة، فأشعله (وهذا حقه) فرد الأمن المركزى بالغاز، وبقيت الجماهير تسأل: من يا ترى الذى بدأ بالعنف؟..
هنا، تصبح اللحظة مناسبة لظهور شخصية كوميدية شهيرة طالما تعلق بها الشعب المصرى، إنه "الخبير الإستراتيجى"، الذى وجد اللحظة مناسبة ليدلى بدلوه فى الأحداث، ودلوه هذا يكون عبارة عن بحر من الأرقام والنظريات التى اقتبسها هو الآخر من كتب طلبة إحدى الكليات النظرية، ويقول إن الأسباب وراء العنف "عميقة"، و"لها جذور"، وإن النظام يعانى من "مجموعة من الأمراض"، وإن أمريكا "تراقب الموقف باهتمام".. وهكذا..
هنا، تظهر شخصية لا علاقة لها بالأحداث، جاءت فجأة إلى المشهد، لا أحد يعلم تحديداً من أين جاءت، لكنها شخصية محورية بالتأكيد، (لماذا هى محورية؟، لا أحد يعلم).. تظهر عادة هذه الشخصية وتقطع بث القنوات ونرى على الشاشة كلمة "عاجل"، ثم نلاحظ كيف أن القناة تترجم ما يقوله (رغم أنه يتحدث بالعربية) إلى جمل مكتوبة بعرض الشاشة، وكأنها تعرف أننا بالفعل لم نفهم شيئاً مما قال، وأننا بحاجة إلى قراءته، لعلنا نفهم، وهو أمر نادر الحدوث.. وكما ظهرت فجأة، تختفى فجأة.. وبس خلاص انتهى دورها..
ثم، تتابع الوجوه فى الظهور على الشاشة من جديد، أشخاص من هنا، وأشخاص من هناك، يتبادلون الاتهامات، ويسهر الشعب حتى الصباح فى انتظار أى جديد.. تتجلى الكوميديا فى هذه اللحظة حين تقرر بعض القنوات تثبيت كاميرا على الشارع الذى يشهد تبادل إطلاق نار بين فريقين، وتنقل لك الصورة فى إطار يحتل نصف الشاشة، ولأنها مرتبطة بجدول لبث البرامج والأفلام والمسلسلات، وعليها التزامات تجاه وكالات الإعلان، فإنها تستمر فى عرض هذه المواد فى إطار يحتل نصف الشاشة الآخر، وصدقنى هى لحظة سحرية تلك التى ستضطر فيها لمشاهدة فيلم عربى قديم من بطولة إسماعيل يس، بجوار معركة حية تحدث فى شوارع القاهرة.
ولأسباب أو لأخرى، تكون اللحظة المناسبة لظهور ضيف شرف فى الحلقة، سيظهر فى هذه الحلقة فقط، ثم يعاود الاختفاء، ويظهر عادة فى مشاهد مثل "الحوار الوطنى"، "مبادرة نبذ العنف"، "جبهة يلا نلعب مع بعض"، "ائتلاف الناس اللى صحيت بدرى يوم التلات اللى فات"، وغيرها من الأسماء التى لا تعنى شيئاً فى واقع الأمر، لكنها تظهر عادة لقول المزيد من الكلام الكبير.. وتستمر الأحداث..
اقتربنا على نهاية الحلقة، نحن فى حاجة لدخول آخر شخصية، وهى التى تملك وحدها حل الموقف كله وإزالة سوء الفهم.. نعم، هو، بعينه، النائب العام.. الذى يفتح التحقيق، ثم يدلى بتصريحات من نوعية، "الخرطوش المستخدم لا يطابق الخرطوش الذى تستخدمه الشرطة"، و"لا توجد أدلة على أنه كان هناك قتلى"، أو "الشاب الذى لقى مصرعه فى الأحداث ورأينا جسده مليئا بطلقات الخرطوش هو فى واقع الأمر مات فى حادث موتوسيكل".. وهى تصريحات مسلية كما ترى.. ومليئة بالكوميديا..
ثم نصل لنهاية الحلقة، فى لحظة هادئة جميلة، حيث نرى الأبطال كلهم فى مشهد مجمع، يتبادلون الابتسامات، ويؤكدون، أن الحلقة الجديدة ستبدأ، بنفس الأبطال وذات الأحداث، وأن مطالبهم لم تتغير، ولن تتغير، الداخلية يجب أن يتم تطهيرها، والحكومة يجب أن تقال، والدستور يجب أن تعاد كتابته، والسلطة يجب أن تتسم بالشفافية، وأخونة الدولة يجب أن تتوقف، والمعارضة يجب أن تنظم نفسها، والثورة يجب أن تتطهر، والمظاهرات يجب أن تكون سلمية، والإعلام يجب أن يكون محايداً، وأنت- عزيزى المواطن- يجب أن تستمر فى مشاهدة المسلسل.
وهكذا يا أولاد، نرى الحلقة الكوميدية بدأت فجأة، وانتهت فجأة.. مليئة بالفواصل الإعلانية السخيفة، رديئة الكتابة، غير مسلية بالمرة، لكننا، نرتبط بها لأسباب غامضة، وسننتظر، بمزيد من اللهفة، الحلقة القادمة، التى تتكرر فيها الأحداث كما هى، وتنتهى، ولا زال أبطال العرض كما هم، كل منهم يقف مكانه، ويحتل منصبه، ويؤدى دوره.. دون أن نصاب بملل أو نعترض..
وأنا، من هذا المكان، أوجه كلمتى للسادة منتجى المسلسلات، بأن يعيدوا التفكير فى إنتاج مسلسلات كوميديا الموقف، فهى، كما هو معروف، قليلة التكلفة، أبطالها عادة من نجوم الصف الثانى، وصالحة لإنتاج عدة أجزاء، يكفى أن تعلم أن هناك مسلسلات أمريكية تنتمى لذات النوع، استمر عرضها لأكثر من عشر سنوات.. آه والله عشر سنوات.. ولم يعترض أحد على الإطلاق..
نتمنى للجميع مشاهدة طيبة.. وكل سنة وإنتو طيبين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.