الكوميديا تحتاج إلي حرية أكثر من غيرها من ألوان الدراما وبما ان سقف الحرية قد ارتفع إلي درجة الانفلات عند بعض الناس لذلك يجب النظر بعين الاعتبار إلي مائدة الضحك الرمضانية التي ضمت ألوانا عديدة مع ظهور أكثر من قناة جديدة بضاعتها الوحيدة وطبقها الرئيسي الكوميديا، فهل تغيرت أحوال ومستويات وليمة الضحك عن غيرها من السنوات السابقة؟! تقليد السياسيين علي مستوي البرامج انتشرت موضة تقليد السياسيين من كبار نظام مبارك وكان عزب شو سبّاقا عن غيره وقد أعد عدته قبل الثورة، ثم توالت عمليات التقليد وأبرز من ظهر في هذا الميدان ماجد القلعي الذي لم يعتمد علي تقليد الشخصية بالأسلوب المعتاد لكن أخذها إلي موضوعات أخري مطروحة، وبهذه التركيبة أعطي لنفسه مساحة أوسع يتحرك فيها بحرية وقد نجح في ذلك إلي حد كبير لكن تظل هذه النوعية من البرامج مرهونة بمستوي ثقافة من يكتبها ويربط الأحداث ببعضها وتكون الشخصية هي مجرد وعاء حاضن لذلك. لو رجعنا العام الماضي سنجد أن مجموعة «ربع مشكل» كانت متميزة بتقديم الأسرة اليهودية وتحميلها بموضوعات جمعت بين الجدية والضحك وظهرت مني هلا ومن معها بطريقة ملفتة للأنظار، ولو سألني أحدهم عن رأيي الخاص سأقول له بدون تفكير لقد استوقفني في العام الماضي «بسنت ودياسطي» لأنه كسر حاجز الموضوعات الضيقة وكان واضحا أن من يكتبه يعرف كيف يطبخ الكوميديا. محور الأحداث وقد بدأت بالبرامج لأنها يمكن ان تقول الكثير في لوحات درامية سريعة الإيقاع ومتلونة بعكس المسلسلات التي ترتبط بخط لا تحيد عنه وتحتاج من كاتبها إلي موهبة خاصة في صياغة المواقف وكتابة الحوار بعيدا عن تلك المساحات التي يتم تركها لكي يشغلها الممثل كل حسب قدراته، ومشكلة المسلسل أيضا انه يعتمد علي بطل هو محور الأحداث ولابد من الاهتمام به ولو حساب الموضوع نفسه، ولأنه البطل فكل ما يفعله من دماغه محل إعجاب فريق العمل لأنه ولي النعم ومن رشحهم لهذه السبوبة ولا يجوز مراجعته، بل عليهم الضحك علي كل حركة والحقيقة ان عدد الأعمال كبير جدا، لكن ما يلفت الاهتمام منها قليل بدليل ان الإجماع علي عمل أو اثنين غائب وكل متفرج لو سألته ستجد إجابته مختلفة عن غيره حتي في البيت الواحد، وقد اعتمدت أغلب الأعمال علي الصورة النمطية كأن تظهر رجاء الجداوي في صورة نغة صغيرة وان تعتمد هالة صدقي علي الإفيهات استنادا إلي خبرتها السابقة في المسرحيات الكوميدية، وان يعيد سامح حسين تقديم شخصية الصعيدي مسنتسخا هذه المرة عمر الجيزاوي المنولوجيست الشهير إلي جانب كبير الرحيمية التي قدمها التابعي وكذلك السيد بدير لكنه قام بتحديث الشخصية وإن ظلت تدور في فلك السذاجة، وكنت قد نصحته في العام الماضي بالعودة إلي الكوميديا وقد عاد بعمل فيه الكثير من مناطق الضحك في مشاهد هي أقرب إلي الاسكتشات. نونة المأذونة اختارت حنان ترك ان تكون «نونة المأذونة» في موضوعات متفرقة جمعتها شخصية المأذون النسائي وتبدو العبوة جديدة لكن الموضوعات متكررة. وقد اعتمدت علي مجموعة من الكوميديان الشبان من حولها بعضهم أصبح من الوجوه المألوفة، لكن مشكلة هؤلاء حصار أنفسهم داخل نمط معين فمن يلعب شخصية الفرفور يسجن نفسه بداخلها ولا يدعها وقد تكون ظروف الاختيارات هي التي تفرض عليه ذلك وهو يريد استثمار نجاحه في هذه المنطقة لكنها حتما سوف تقضي علي موهبته بدري بدري واسألوا مظهر أبو النجا وفؤاد خليل علي سبيل المثال لا الحصر وقد ظهر هاني رمزي في مسلسل «عريس ديلفري» وهو تجميع من أعمال سابقة له، ودخل أشرف عبدالباقي الجزء الثامن من «راجل وست ستات» وفقد العمل بريقه كثيرا عن سنواته الأولي وجاءت هالة صدقي بالجزء الثاني من «جوز ماما» واستبدلت سمير غانم بطلعت زكريا ، وظل الحال علي ماهو عليه، تهريج أكثر، وضحك أقل. افتعال الضحك مواقف يغلب عليها الافتعال والضحك في حد ذاته قد يكون هدفا ولا بأس في ذلك، لكن كيف؟ تلك هي المسألة، وبالمناسبة هل هي صدفة ان يتم الاعتماد علي الأسانسير في أكثر من برنامج كوميدي في وقت واحد وكأنهم فجأة اكتشفوا هذا المنجم؟.. أليس هذا دليلا علي الإفلاس والسرقة بين بعضهم البعض رغبة في التواجد والسلام؟! مرة يفتح أحدهم باب المصعد فيجد أمامه أسدا ويصاب بالهلع بينما الطائش الدائم رامز جلال هو الذي يضحك، وأخري يتوقف الأسانسير بها وتبدأ السخافات ومحاولة استجداء الضحك بأي طريقة. أبوالعلمين حمودة علي طريقة استثمار نجاحات سابقة يظهر محمد هنيدي من خلال شخصية رمضان أبو العلمين وهي وإن كانت قد نجحت في فيلم مدته ساعتان لا يمكن ان نضمن لها النجاح في مساحة مدتها 22 ساعة أو يزيد في 30 حلقة، خاصة أن الحلقات الأولي اعتمدت علي حياته في القرية ومواقفه مع العمدة وبما انهم أعلنوا عن أنه قد تحول إلي «مسيو» وسوف نراه في باريس يصبح من حقنا ان نسأل: أين البضاعة التي وعدتمونا بها؟ ولهذا قد يتغير الحال إذا وجدنا رمضان في باريس في أجواء ومواقف جديدة، لكن الثلث الأول إيقاعه بطيء ولا جديد فيه، وكما قلت تظل الإشكالية في الكوميديا هي «النص» وهنا أتوقف أمام مسلسل «الكبير» وقد خلق فريق كتابته الكثير من المواقف الجديدة وفي رأيي هو أفضل عمل كوميدي علي شاشة رمضان 2011، وقد بذل فيه أحمد مكي وفريق العمل كله جهدا واضحا وابتعدوا عن معلبات الضحك سابقة التجهيز، لأنهم تحركوا في مناطق مبتكرة وهنا أبدي إعجابي بمسلسل كرتون وهو «وش سلندر» فيه فكرة خفيفة الظل والكرتون له جاذبيته ليس فقط مع الصغار، لكن مع الكبار أيضا. ختاما أقولها صريحة: انتهي زمن الاعتماد علي النجم في الكوميديا، ومن لم يدخل الاستديو متحصنا متسلحا بنص جيد فيه فكرة وابتكار سيبدو لنا عاريا وإن ارتدي أفخر الألقاب وأغلاها!