النظام السابق كان يلعب على أرضية الطائفية، حيث كان عاجزا عن حل المشاكل الطائفية، فكان يهرب إلى طريقة إقحام الكنيسة فى السياسة وكأنها هى الممثل السياسى للأقباط، الشىء الذى استملحه البابا شنودة إرضاء لتركيبته الشخصية ومجاملة كاذبة للأقباط ومغازلة خائبة للخارج، الشىء الذى كرس الطائفية وأحدث فرزاً طائفيًا، أعطى الفرصة لمتشددى التيار الإسلامى أن يتحدثوا على أن الكنيسة قد أصبحت دولة داخل الدولة، فلا كانت دولة ولا حلت مشاكل الأقباط، بل تزايدت المشاكل الطائفية وتصاعدت بشكل غير مسبوق، وجاءت ثورة يناير واختطفت للإخوان، وتم اختطاف الدستور الذى يؤسس لدولة دينية بحق، فالشورى بديل للديمقراطية وأهل الحل والعقد وهم هيئة كبار العلماء قد أصبحوا أوصياء على مجلس النواب الذى لم تعد سيادة له كما يقول الدستور ذلك نظريا، وجاء البابا تواضروس الثانى معلنًا أنه لا دور سياسيا له ولا علاقة للكنيسة بالسياسة، وكانت هناك مواقف كثيرة وتصريحات عديدة له تؤكد ذلك، وقد باركنا له هذا وقابله الجميع بالارتياح الشديد، ولكن رأينا الأسبوع الماضى تصريحات للبابا تواضروس لإحدى الوكالات الأمريكية أحدثت ردود أفعال غير مريحة تنتج لنا المشهد السياسى الطائفى «مبارك - شنودة» ما قبل يناير مرة أخرى، وهنا فقد تمنينا الله أن يبعد البابا عن بعض المحيطين به الذين يتاجرون ويتواجدون عن طريق مشاكل الأقباط سواء لادعاء البطولة داخليا أو الاستفادة المادية خارجيا، وهؤلاء بالطبع لو تركت الكنيسة فكرة الحديث عن الأقباط كأقباط لن يكون لهم بضاعة يسوقونها، أما الجانب الآخر، وهو الأهم، هو تلك الرؤية القاصرة والطائفية التى تقترب من العنصرية التى يتعامل بها الأقباط وتصر على أن تقحم الكنيسة فى أدوار سياسية، لا ينبغى ولا تملك القيام بها، وللأسف الشديد فالنظام الإخوانى الحالى يصر على نفس السياسة وذات الطريقة، فوجدنا ما يسمى بممثلى الكنيسة فى تأسيسية الدستور عند انسحابهم كانت مشكلة طائفية وليست سياسية، ثم تم دعوتهم فيما يسمى بالحوار الوطنى، ولا نعلم ما هى الصفة السياسية والدستورية والقانونية للكنائس فى هذا الحوار؟ هل هى أحزاب سياسية؟ وهل لها برامج حزبية؟ أم يقصدون أنها تمثل الأقباط سياسياً وتصبح هذه هى الطامة الكبرى؟ وكان الانسحاب وكانت نفس النتائج، والأغرب فقد طلبت الرئاسة من الكنائس رأيها فى المواد المطلوب تعديلها فى الدستور، وكأن الجميع متوافق على الدستور عدا الكنائس، فى الوقت الذى انقسم فيه الوطن رأسيًا حول دستور لدولة دينية أم دستور لدولة مدنية، وبالطبع سيكون غير المسلمين مع المسلمين الداعين لدولة مدنية، وذلك دون تدخل الكنيسة تماما، فإذا كان المجتمع السياسى بفصائله وتياراته يطالب بتعديل مواد دستورية تتوافق مع ما يمكن أن يتوافق مع الأقباط، ولا أقول يتوافق مع الكنيسة، فما الداعى لتدخل الكنيسة هنا؟ خاصة أن التيار الإسلامى جميعه للأسف يتعامل مع من لا يقبل الدستور أو مع من يرفض الحوار الوطنى الشكلى والفاقد للإرادة السياسية الحقيقية حيث إنه لا يمثل غير محاولة لذر الرماد فى العيون، بأنهم ضد الدولة الإسلامية، وهم من يعملون على إفشال التجربة الإسلامية، فما بالك لو كان هذا هو البابا والكنيسة، إذن فنحن هنا سواء كنا ندرى أولا ندرى نزيد التوتر توترا والاحتقان احتقانًا، فنرى تلك التعليقات على تصريحات البابا وكأنها حرب ضد الإسلام بالرغم من أنها تصريحات معادة ومكررة ليل نهار من كل التيارات السياسية المدنية، ومع ذلك فرجاء من قداسة البابا لا تستدرج من أحد فى الداخل أو الخارج لتصريحات سياسية تثير فرقة وانقساما، دع المواطن المسيحى يعبر عن رأيه كيفما أراد من خلال حزب سياسى، فهذا حقه، وهذا سيكون سياسة لا دين ولا طائفية، فليظل موقع البابا فى إطار جلاله الدينى الذى يحترمه كل المصريين، فتركيز قداستكم على الجانب الروحى والدعوة إلى المحبة والسلام والتوافق، فهذا هو دورك وهذا ما تحتاجه مصر من كل المصريين.