أعرف أنها متواجدة بالقاهرة هذه الأيام، فلقد أخبرتنى قبل أن ننفصل منذ فترة لا أتذكرها، لأخطاء لم أرتكبها، أن شوارع القاهرة ستتزين لاستقبال "الملكة المقدسة" أول هذا الشهر. قبل أن يحدث الانفصال لتلك الأخطاء التى لم أرتكبها، كنت أنتظر موعد قدومها بفارغ الصبر، حتى أحصل من رقتها وجمالها على الهبة الملكية، والتى سأعيش بها حتى موعد ظهورها القادم. ولكنى بعد الانفصال غير المسبب، أصبحت لا أختلف كثيراً عن المطاريد الذين يختبئون بالجبل هاربين من عقوبات بالإعدام، فها أنا سجين لهذا المقهى الكئيب، والذى لا أفارقه حتى ينهكنى التعب، وتعود لى رغبتى فى النوم، لأكرر ما يحدث فى اليوم التالى، أذهب إلى عملى صباحاً ثم إلى المقهى، ومن ثم إلى المنزل لأنام، أو لأدعى أنى نائم، فمنذ أن فارقتنى وأنا لا أعرف معنى للنوم. أصبحت أخاف الخروج من المقهى للتجول فى شوارع وسط البلد التى أعشقها، وبات محظوراً على التواجد بتلك الأماكن التى تعتاد وأعتاد الذهاب إليها، كى لا التقى بها صدفة، وتلتقى أعيننا من جديد، لتسرى جرعة جديدة من سم حبها فى جسدى.. سم حبها الذى جعلنى أعرف معنى الألم، وأكسبنى شجاعة الوقوف وحيداً، فبعد رحيلها لم تعد الوحدة تخيفنى، ولم يعد الأصدقاء يعنون لى شيئاً، بعد أن تأكدت من زيف العلاقات البشرية وسطحيتها. على أى حال مرت الأيام بهدوء، ومضت فترة وجودها بالقاهرة على خير، ولم نلتقِ، وألقيت جانباً بكل السيناريوهات التى أعددتها مسبقاً للتعامل مع أى صدفة قد تجمعنى بها حتى أبقى قوياً أمامها بلا ضعف أو دموع أو انكسار، فالرجال لابد أن يكونوا أقوياء إلى الأبد. والآن بعد أيام لا أتذكر عددها على رحيلها من القاهرة ومن حياتى، يأتنى صوتها عبر الهاتف من جديد، ليحمل لى الأمل فى الحياة، يأتنى صوتها معبراً عن حالة من الغضب تعتريها، أحاول أن أمتص غضبها، وأسألها "إيه يا بنتى مالك.. يعنى بعد كل الفترة دى بتكلمينى بعصبية كده؟"، تصمت قليلاً، أشعر بأنها أصبحت أكثر هدوءاً، أسألها مرة أخرى "مالك بقى فيه إيه وإيه اللى حصل خلاكى تبعدى عنى؟". ترد بانفعال.. تصدمنى كلماتها.. أحاول أن أتذكر أى شىء مما تقوله، ذاكرتى ترفض أن توفر لى أى معلومات أكثر من أن مليكتى المقدسة، قالت لى فى آخر مكالمة بيننا، إنها لا تريد رؤيتى ولو على سبيل الصدفة، أقول لها ما أتذكره. تصمت لحظات أخرى، يختلط صمتها، بصوت بكائها، أسألها عن سبب هذا البكاء، ترفض، ألح عليها، ترد فى النهاية بكلمات وعبارات غير مرتبة أو متناسقة.. أفهم من سياق حديثها، أن شيئاً لم يكن. أطالبها بالتوضيح، فتجبينى بصوت يشوبه البكاء "حبيبى أنا عايشة فى القاهرة، وعمرى ما خرجت منها، وإحنا ما أتخانقناش، وأنا مطلبتش منك تبعد عنى، أنت اللى اختفيت، وانعزلت عن العالم، ومكنتش بترد على الموبايل، ودى أول مرة ترد عليا فيها من 3 شهور". تتوقف مليكتى المقدسة عن الكلام، لتلتقط أنفاسها التى تهدجت من كثرة البكاء، وقبل أن تكمل حديثها أكون قد أنهيت المكالمة، لأستيقظ من نومى مفزوعاً، لكن سرعاً ما يزول هذا الفزع، عندما أرى مليكتى المقدسة نائمة إلى جوارى، وشعرها منسدل على كتفها ووجهها مثل الأطفال، وإلى جوارها على الكمود صورة لحفل زفافنا.