ثمانية عشر فتاة في عمر الزهور ، كلهن ما بين 14 سنة و17 سنة ، خرجن للتنزه مع مشرفتهن في الكنيسة في مركب نيلي ، يسرقن بعضا من أوقات المرح واللهو البرئ في مدينة قاسية ومكتئبة مثل القاهرة ، دون أن يدرين أن الموت في انتظارهن ، يتخطف سبعة منهن واثنتان ابتلعهن النيل حيث يجري البحث عن جثثهن حتى الآن ، والمؤكد أن الباقيات الناجيات سيعشن حياة أكثر كآبة ورعبا من هول ما شاهدنه في تلك المأساة ، وتحولت عشرات البيوت من الأمهات والآباء والأقارب إلى مآتم وأحزان على فلذات أكبادهن والزهرات التي وصلن إلى السن الذي تبدأ به فرحة الآباء بهن ، وببساطة شديدة تم تحميل القضية على صبي كان يقود المركب الصغير ، وخرجت حكومة الأحزان من دوائر الاتهام مثل الشعرة من العجين كما يقولون ، رغم أن الحكومة هي المتهم الرئيسي في هذه المأساة ، فمن الذي سمح لمثل هذه المراكب أن تسير بهذه العشوائية وكأنها ميكروباصات تعبث في شوارع العاصمة ، وأين هي الرقابة وأين هي القواعد المنظمة لهذه الأعمال ، تحقيقات النيابة كشفت عن أن سبب المأساة الأساس هو الحمولة الزائدة ، حيث تم حشر 19 راكبا في المركب بينما الحمولة المقررة له هي 9 أشخاص فقط ، وهذا التهريج يحدث حتى الآن في نيل القاهرة ، وكنت كثيرا ما أرى هذا الذي يحدث وأحدث نفسي ، كيف ينجو هؤلاء البشر من الغرق ، لعلها رحمة الله بهؤلاء الفقراء البائسين وأهلهم ، أليس هذا الذي حدث مسؤولية أجهزة رسمية مسؤولة عن أرواح البشر ، لو كان هؤلاء الضحايا سياحا أجانب هل كنا سنسمع مثل هذه التصريحات "الخايبة" من السيد المحافظ والسيد اللواء ، أم أننا كنا سنرى رئيس الجمهورية يتصل بنفسه ليسأل عن الفاجعة ، ورئيس الوزراء يذهب بنفسه لمشاهدة موقع الأزمة ويواسي الأهالي المكلومين ، أما وأنهم مواطنون مصريون ، فهم بشر بلا ثمن ولا قيمة ، وفي نفس الأسبوع كانت فاجعة أخرى ضحيتها مجموعة من العمال الغلابة ، شباب في عمر الزهور أيضا ، خرجوا من بيوتهم المعدمة في بعض قرى الفيوم بحثا عن الرزق في القاهرة ، كان حلم حياتهم أن يعملوا في أحد الأفران في حي الدرب الأحمر ، ليجمعوا بعض الجنيهات التي تعين أهلهم على محنة الحياة ، وهي محنة بالفعل هذه الأيام في بر مصر ، وتمت استضافتهم "الكريمة" في غرفة صغيرة كان ينام فيها الشبان السبعة ، وقبل الفجر كان البيت أو أحد الحوائط ينهار على سقف غرفة المساكين ليعجن الشبان السبعة تحت التراب ، وكأن أهاليهم كانوا ينتظرون المزيد من المآسي والأحزان والبؤس ، ليتلقوا خبر مقتل أبنائهم ، وتتحول عشرات البيوت في قرية "كحك البحرية" بالفيوم إلى صوان عزاء كبير ، ومرة أخرى تبحث الشرطة عن صاحب البيت المتهالك ، وكأنه وحده صاحب الجريمة ، رغم أن التحقيقات كشفت عن أن الأجهزة الرسمية تعرف أن البيت متهالك وآيل للسقوط منذ 15 سنة ، وصدر له قرار إزالة من قبل اللجان الهندسية المختصة ، ومع ذلك ظل 15 سنة قائما ينتظر اليوم الذي يتحول فيه إلى مقبرة ، دون أن تفكر المحافظة أو يفكر الحي أو أي جهاز مسؤول في تطبيق القانون وإزالة هذا "الخطر الداهم" ، 15 سنة وصاحب المنزل "يظبط" أموره مع من يعنيهم الأمر من أجل منع وتأجيل هدم المنزل ، حتى وقعت الكارثة المنتظرة حتميا وقتل سبعة مواطنين أبرياء ، وقام السيد المحافظ مشكورا بصرف خمسمائة جنيه ، أي أقل من مائة دولار ، لكل شاب قتل من جراء الفساد والاستهتار وانعدام الإحساس بالمسؤولية ، وفي الغالب الأعم ، ستحمل الجريمة كاملة على صاحب المنزل ، دون أن يصل سيف العدالة إلى ممثلي "منظومة الفساد" ، وهي المتهم الرئيس في الجريمة ، لكن تقول لمين وتعيد لمين ، ومن يحاكم من في هذا البلد . [email protected]