سياسة رضا كل الأطراف وكسب ود الجميع التى يصر النظام المصرى الحالى على التمسك بها فى إدارة أمور الدولة هذه الأيام بيدٍ مرتعشة، تطبطب وترخى أكثر مما تمسك وتشد - إذا اقتضت الضرورة - تجعل آمال الآملين والراغبين فى غدٍ مشرقٍ لمصر تتضاءل وتنكمش لحظة بعد لحظة، كما تقتل أحلام الحالمين بمستقبل أفضل طالما انتظروه وتطلعوا إليه، دون أن تظهر لهذا المستقبل أية بوادر، أو تتضح له أية ملامح ومعالم حتى الآن تمكنهم - ولو بشكل مؤقت - من التحمل والصبر على معاناة وفوضى الحاضر.. تلك الفوضى المنظمة والممنهجة التى تؤكد كل الأحداث أنها ما زالت تحبو ولم يتم فطامها بعد، ففلول النظام السابق ومعاونوهم المشتاقون ما زالوا يقومون بتغذيتها وتسمينها شر تسمين، منفقين أموالًا طائلة أصلها معروف لدى القاصى قبل الدانى، لعل أملهم المنشود يتحقق ويستطيعون لملمة ما تبعثر من أطلال!!.. إذ يصرون على شل حركة البلد والقضاء عليه تمامًا لتزداد الصراعات والتناحرات فيأكل بعضنا بعضًا وتنشب وتشتعل الحرب الأهلية التى أصبحت فى الفترة الأخيرة علكة فى فم كل أفاك أثيم أَشِر ينفخ فى الرماد وينفث فى العُقَد ليحترق البلد ولا تقوم له قائمة أبدا!، فأكذوبة الحرب الأهلية يستميت مَن يروجون لها ليل نهار باستمرارهم فى تقسيم الشعب المصرى وتمزيق أواصره وخلق حالة من الحقد والغل والكراهية بين جميع أفراده كى تصبح هذه الأكذوبة بعد فترة قصيرة حقيقة واقعة وتخرج عن كونها تهديدًا ووعيدًا إلى طى التنفيذ والتطبيق، خاصة وأن ضررًا أو خطرًا لن يلحق بهم، فلديهم كثير من الأموال والممتلكات التى تكفيهم وتكفى أحفاد أحفادهم وتمكنهم فى أى وقت من الهرب إلى أوطانهم الأولى وترك وطنهم الثانى "مصر" فى حال نجاح مخططهم ونشوب تلك الحرب لا قدر الله.. منذ نجاح ثورة الخامس والعشرين من يناير فى خلع الرئيس السابق فى الحادى عشر من فبراير من عام 2011 ونحن نقرأ ونسمع عن الحرب الأهلية المزعومة التى يتم الإعداد والتجهيز لها بواسطة أعداء الداخل قبل الخارج، سواء أكانوا من أذناب وزبانية النظام السابق أو شلة المنتفعين والخائنين أصحاب الأهداف الخسيسة المستترين خلف ستار المعارضة السياسية تحت مظلة بعض الأحزاب والحركات والتيارات الكرتونية التى لا وزن ولا ثقل لها!..هؤلاء المنتفعون الضالون والمضللون الذين كشفت لنا الثورة وما تبعها من أحداث مختلفة حقيقة مكرهم وإفكهم وتحالفهم السابق والحالى مع نظام مبارك البائد والذى استخدمهم كأداة لخداعنا وتخديرنا طويلًا ولإيهام العالم كله أن فى مصر معارضة وحرية وما إلى ذلك من أكاذيب اتضحت جليًا فيما بعد عندما سقطت أقنعتهم الزائفة وانكشفت عوراتهم أمام الجميع وصاروا عرايا فى نظر كل وطنى شريف قادر على التمييز - حتى وإن ارتدوا أجود وأغلى الثياب وجلسوا فى أفخم الفنادق والمكاتب المكيفة ليخاطبوا الشعب من علٍ مستمرين فى افتراءاتهم وضلالهم وقلبهم الحقائق على شاشات الفضائيات المختلفة، محاولين إثبات وجودهم وفرض أنفسهم عنوة على الساحة السياسية ظنًا منهم أن عقارب الساعة يمكنها الرجوع إلى الوراء!!.. الأسئلة التى تفرض نفسها.. إلى متى سيظل الصمت الرهيب والحِلم الطويل على مشعلى الفِتَن والحرائق وعدم مساءلتهم ومعاقبتهم هو سيد الموقف؟!.. وما هو سبب التساهل والضعف حيال كل مظاهر العبث والفوضى بكل صورها المنتشرة فى الشوارع والمظاهرات والإعلام؟!.. ولماذا لم تر الغالبية التى انتخبت د. محمد مرسى رئيسًا للجمهورية أى تواجد ملحوظ للتيارات الإسلامية سواء داخل الحكومة أو على رأس بعض المؤسسات والهيئات الحيوية لنبدأ بالفعل الدخول فى عهد جديد نظيف، خاصة وأن معظم الناخبين لم ينتخبوا د. مرسى لشخصه وإنما انتخبوا فكرًا ومنهجًا إسلاميًا طالما تم محاربته ومحاولة وأده بكافة وسائل القهر والقمع والمنع سابقًا، هذا المنهج الذى يرغب كل شرفاء هذا الوطن فى أن يأخذ فرصته وتكون له السيادة لتصحيح الصورة المشوهة منذ زمن بعيد؟!.. أتمنى أن يلتفت رئيس الجمهورية إلى أن تنحية بعض أكفاء وخبراء وأتقياء التيارات الإسلامية جانبًا وحرمانهم من منحهم فرصة للعطاء والبذل والمساهمة فى التغيير والإصلاح، ومنح تلك الفرص لغيرهم من المحسوبين على الفلول أو على الأقل المجهولين لدى الشعب والذين لا بصمة ولا تأثير لهم فى الحكومة الحالية لرضا كل الأطراف، يزيد الكثير من المصريين يأسًا وإحباطًا ويشعرهم بأن ثورة لم تقم، وأن النظام الحالى لم يختلف عن سابقه، لأنه لم يثبت لنا حتى الآن أنه قادر على حمايتنا بفرض سيادته واستخدام سلطاته كما ينبغي، وتحدى كل المكائد والعقبات التى توضع أمامه والتى من شأنها عرقلته وإحراجه محليًا وعالميًا!!.. الله أسأل أن يوفق رئيس الجمهورية إلى ما فيه الخير لمصر والمصريين ويكفيه شر كل ذى شر، ويرزقه البطانة الصالحة، ويمَكِّنه بقدرته من أن يستعين بذوى القدرة والكفاءة من التيارات الإسلامية ليستطيع المواطن المصرى الحكم على التجربة بشكل صحيح، فإما أن يراها ناجحة تستحق الاستمرار لعقود متتالية، أو يعتبرها فاشلة لم تقدم شيئًا فيرفضها إلى الأبد.