حين نأوى إلى جدار قضائى يحمينا ويحفظ دولة القانون، هل يمكن أن نجد سندا أفضل من هؤلاء الذين رفعوا راية استقلال القضاء، وأطلقوا صيحة الغضب والرفض فى وجه تزوير سلطة الرئيس المخلوع مبارك للإرادة الشعبية فى الانتخابات البرلمانية، وثاروا ضد مبارك ونظامه دون خوف على منصب أو حياة.. على رأس هؤلاء تأتى أنت يا سيادة المستشار الخضيرى، وكل سطر فى تاريخ مسيرتك يدعم لجوءنا إليك وسؤالنا عنك: أين أنت الآن من كل ما يجرى من عدوان على السلطة القضائية وإهدار لسيادة القانون، وانحراف بمسيرة الوطن لتصبح القيادة لها ديكتاتورية بعكس كل ما سعت إليه ثورة يناير؟. المستشار محمود رضا عبدالعزيز محمد الخضيرى، الشهير بمحمود الخضيرى، نائب رئيس محكمة النقض الأسبق، ورئيس نادى قضاة الإسكندرية السابق، اشتهر بكونه أحد أبرز زعماء حركة الاستقلال القضائى، وأبرز من تصدروا المشهد القضائى فى أوج الأزمة بين النظام البائد والقضاة فى عامى 2005 و2006، حيث رفع تيار الاستقلال القضائى شعارات المطالبة بإصلاح السلطة القضائية واستقلالها، ومنع سيطرة السلطة التنفيذية والسياسية على شؤونها. كنت تردد يا سيادة المستشار دائماً أن مفهوم استقلال القضاء لديك، هو أن يكون القاضى غير خاضع لأى شىء إلا ضميره والقانون، وأن يتحرر من أى ضغوط سواء كانت مادية أو معنوية، وأن تكون إرادته حرة غير متأثرة بأى من الاتجاهات السياسية، وأن البداية الحقيقية للإصلاح فى مصر، تتمثل فى تشكيل هيئة من كبار رجال القانون والدستور وفقهائه لتضع دستوراً جديداً. فى 20 سبتمبر 2009 استقال الخضيرى من منصبه كرئيس دائرة الخميس المدنية فى محكمة النقض بعد 46 عاماً من الخدمة، وقبل إحالته للتقاعد بأيام معدودة، أطلق تصريحه الشهير: «أعتبر أن استقالتى صرخة احتجاج فى وجه الأوضاع الحالية بالقضاء، وأتمنى أن تحدث نوعاً من الجدية لإصلاحه»، لكن الخضيرى لم يتوقف فى مشوار المطالبة باستقلال القضاء عن السلطة التنفيذية عند هذا الحد، وإنما عاد ليوجه انتقادات حادة لممارسات التزوير التى شهدتها الانتخابات التشريعية فى 2010 لصالح الحزب الوطنى «المنحل»، وكتب فى مقال له نشره فى ديسمبر 2010 «طلبت من القضاة التنحى عن هذه المهمة التى أساءت إليهم، وحولتهم إلى حماة للتزوير، وإعطاء الشرعية له، ومازالت الفرصة متاحة أمامهم هم وجميع أعضاء اللجنة العليا للانتخابات من رجال القضاء للقيام بذلك»، واستشهد فى مقاله بواقعة لأحد المرشحين من قوى المعارضة، حين توجه إلى رئيس اللجنة العامة بدائرته فى تلك الانتخابات، وطلب منه اتخاذ الإجراءات التى تمكنه من الحصول على حقه فى إدخال المندوبين إلى اللجان، وحماية الناخبين الذين يريدون الإدلاء بأصواتهم، فأخبره بأنه لا يستطيع ذلك، وعندئذ رد عليه النائب قائلا: كنا فى انتخابات 2005 نردد إن فى مصر قضاة لا يخشون إلا الله، أما الآن فإننا نقول إن فى مصر قضاة لا يخشون حتى الله. نذكرك يا سيادة المستشار الخضيرى بأن تفسيرك لكلام القاضى للمرشمح المعارض بأن «الحكومة بلا شك سعيدة بهؤلاء القضاة الضعفاء، الذين لا حول لهم ولا قوة ينفذون الأوامر، ويلقون مسؤولية ما يحدث على الحكومة، والحكومة راضية بتحملها لأنها هى الكاسب فى النهاية من وجهة نظرها». سيادة المستشار كنت على رأس من شاركوا فى أيام الثورة، منذ اندلاعها فى 25 يناير 2011 وحتى الإطاحة بالرئيس السابق حسنى مبارك، وقضيت خمسة عشر يوماً منها فى «التحرير»، والباقى بين ثوار الإسكندرية، وكتبت تقول: «عشت فى ميدان التحرير مشاركًا شعب مصر فى ثورته ضد الفساد والطغيان»، ثم كتبت بعدها تقول «أنه لو استجاب المجلس الأعلى للقوات المسلحة سريعا لمطالب الثورة، وأهمها إقالة أحمد شفيق ووزراء العدل والداخلية والخارجية، الذين شاركوا فى الحكم البائد وأقسموا يمين الولاء أمام الرئيس المخلوع. وكذلك الإفراج الفورى عن جميع المعتقلين السياسيين، والمحكوم عليهم بعقوبة من المحاكم العسكرية والمحاكم الاستثنائية، لو أن المجلس استجاب لهذه المطالب، لهدأت الثورة كثيراً، ولما كان الشعب فى حاجة إلى التظاهر فى ميدان التحرير أو غيره إلا عند اللزوم فقط».. الآن سيادة المستشار نحتاج نصيحتك، وجهرك بها فى وجه الرئيس مرسى، فهناك الكثير من مطالب الثورة يتوجب عليه الاستجابة لها، وننتظر منكم سيادة المستشار والنائب السابق أن تعلنها مدوية، أنك مع سيادة القانون، واستقلال القضاء، دون السماح لأى سلطة بالافتئات عليه.