وفاة سعيد عبد الواحد مرشح مجلس النواب عن دائرة إمبابة    اعرف الأسعار فى أسواق الخضار والفاكهة اليوم الخميس 4-12-2025 فى المنوفية    أسعار الذهب في مصر اليوم الخميس 4 ديسمبر 2025    استعراض تجربة مصر للحد من التلوث البحرى ومخلفات البلاستيك والأراضى الرطبة بcop24    الصين تساعد فلسطين ب 100 مليون دولار لتخفيف الأزمة الإنسانية في غزة    الاتحاد الكونغولي يخطر بيراميدز بموعد انضمام فيستون ماييلي لمنتخب بلاده    رصد تماسيح في مصرف مائي بالشرقية.. وتحرك عاجل من المحافظة    لغز اختفاء أسرة من 5 أفراد فى ظروف غامضة بأسيوط    تعرف على الحالة المرورية بشوارع وميادين القاهرة والجيزة.. الخميس    المنيا.. حين تعود عاصمة الثقافة إلى مسرحها الأول    تعليم البحيرة تصدر تعليمات مشددة للتعامل مع الحالات المرضية المشتبه بها داخل المدارس    عبد الحميد معالي يهدد بفسخ تعاقده مع الزمالك    استجابة ل «أهل مصر».. أول تحرك من «الأوقاف» بشأن تعديل القيم الإيجارية لأراضي الوقف    محافظ كفر الشيخ يوجّه برفع مستوى أمان طريق إسحاقة - السرو    مكتب نتنياهو: الرفات الذى تسلمته إسرائيل من حركة حماس يعود لمواطن تايلاندى    انخفاض فى درجات الحرارة....تعرف على حالة الطقس اليوم الخميس 4ديسمبر2025 فى المنيا    "مشهد لا يُنسى" بورسعيد تُشيّع بطلها الصغير يوسف محمد فى لحظات الدموع والدعاء والوداع .. إنهيار والدته وحزن أصحابه وذويهم.. والده يؤكد على الحضور: "بالله عليكو ما تسيبوا حق إبني".. فيديو و صور    حالة الطقس في الكويت اليوم الخميس 4 ديسمبر 2025    وزير الري يتابع أعمال وأنشطة هيئة المساحة ومقترحات تطويرها وحوكمة أعمالها    كأس العرب| منتخب فلسطين يلتقي تونس.. وسوريا في مواجهة صعبة أمام قطر    بعد إلغائه لغياب تقنية الVAR.. البدري ومصطفي في مواجهة حاسمة الليلة بنهائي كأس ليبيا على ستاد القاهرة    الأحفاد جمعتنا، إعلامية شهيرة تفاجئ حسن شحاتة داخل المستشفى (صور)    «ما تسيبوش حقه».. نداء والد السباح يوسف محمد خلال تلقى العزاء (فيديو وصور)    استشهاد 6 فلسطينيين في غارات إسرائيلية على جنوب قطاع غزة    دولة التلاوة.. المتحدة والأوقاف    اللهم إني أسألك عيش السعداء| دعاء الفجر    قناة دي فيلت: إذا لم تجد أوكرانيا المال لتغطية عجز الميزانية فستواجه الانهيار الحقيقي    نائب وزير المالية: تمويل 100 ألف مشروع جديد للانضمام للمنظومة الضريبية| فيديو    الصحة: خدمات شاملة لدعم وتمكين ذوي الهمم لحصولهم على حقوقهم    حلمي عبد الباقي يكشف إصابة ناصر صقر بمرض السرطان    دراما بوكس| بوسترات «سنجل ماذر فاذر».. وتغيير اسم مسلسل نيللي كريم الجديد    وزير الخارجية الفنزويلي: استقبلنا رحلات جوية حملت مواطنين مرحلين من الولايات المتحدة والمكسيك    تسريب «ويتكوف أوشاكوف».. مكالمة تهز الثقة بين أمريكا وروسيا!    أحمد حمدي يكتب: هيبة المعلم    جمال شعبان يُحذر: ارتفاع ضغط الدم السبب الرئيسي للفشل الكلوي في مصر!| فيديو    نجاح جراحة دقيقة لمريض يعاني أعراضًا تشبه الجلطة في الجانب الأيسر    لا خوف من الفيروسات.. الصحة توضح سبب شدة الأعراض في هذا الموسم    محمد رجاء: لم يعد الورد يعني بالضرورة الحب.. ولا الأبيض يدل على الحياة الجميلة    موعد صلاة الفجر.....مواقيت الصلاه اليوم الخميس4 ديسمبر 2025 فى المنيا    أكسيوس: إسرائيل تحذر من استئناف الحرب في حال استمرار تسلح حزب الله    حظر النشر في مقتل القاضى "سمير بدر" يفتح باب الشكوك: لماذا تُفرض السرية إذا كانت واقعة "انتحار" عادية؟    حريق بجوار شريط السكة الحديد بالغربية.. والحماية المدنية تُسيطر على ألسنة اللهب    أحدهما دخن الشيشة في المحاضرة.. فصل طالبين بالمعهد الفني الصناعي بالإسكندرية    اليوم، آخر موعد لاستقبال الطعون بالمرحلة الثانية من انتخابات مجلس النواب    كأس إيطاليا – إنتر ونابولي وأتالانتا إلى ربع النهائي    وليد صلاح الدين: لم يصلنا عروض رسمية للاعبي الأهلي.. وهذا سبب اعتراضي على بسيوني    ماكرون يستعد لإعلان تعديلات جديدة على العقيدة النووية الفرنسية    مشاجرة بين طالبات وزميلتهم تتحول إلى اعتداء بالضرب عليها ووالدتها    علاج ألم المعدة بالأعشاب والخلطات الطبيعية، راحة سريعة بطرق آمنة    هل يجوز لذوي الإعاقة الجمع بين أكثر من معاش؟ القانون يجيب    الحكومة: تخصيص 2.8 مليار جنيه لتأمين احتياجات الدواء    احذر.. عدم الالتزام بتشغيل نسبة ال5% من قانون ذوي الإعاقة يعرضك للحبس والغرامة    قناة الوثائقية تستعد لعرض سلسلة ملوك أفريقيا    آثار القاهرة تنظم ندوة علمية حول النسيج في مصر القديمة واتجاهات دراسته وصيانته    تصادم موتوسيكلات ينهى حياة شاب ويصيب آخرين في أسوان    الشباب والرياضة: نتعامل مع واقعة وفاة السباح يوسف بمنتهى الحزم والشفافية    وكيل لجنة مراجعة المصحف ورئيس منطقة الغربية يتفقدان مسابقة الأزهر السنوية لحفظ القرآن الكريم    مواقيت الصلاه اليوم الأربعاء 3ديسمبر 2025 فى المنيا.. اعرف مواقيت صلاتك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"العاشرة ليلاً تحت جسر واترلو*" قصة لحسين أبو سعود
نشر في اليوم السابع يوم 04 - 04 - 2009

الليل له وخزات يعرفها قلبه، وروحه تعرف وطأة الحزن عندما يشتد الظلام فى الطريق الطويل، والليل من عاداته أن لا يكترث بنبرة الاضطراب فى أرواح المرهقين، النجوم تبتعد نحو عوالم الصمت فى تلك الساعة المتأخرة من ليل لندن، كان محجوب غريب الهادى فى القطار الهادر فى ظلمة الأنفاق، إنه ليس آخر من يعود إلى بيته وحيداً، ها هم جميع الركاب متعبون، وحيدون، وهذه فتاة شابة سوداء تنام وحيدة تسند وجهها براحة كفها الأيسر، وتمسك بحقيبتها الحمراء باليد الأخرى غير عابئة بانحسار الثوب عن ساقها الأبنوسى التى تلامسها العيون بشهوة صامتة، وذاك خمسينى أبيض يغمض عينيه مبتسماً وكأنه يحلم بامرأة طيبة، الوجوم يحوم حول الوجوه الأخرى، ومحجوب عائد لتوه من وليمة الفراق.
كانت سعاد قد دعته تلك الليلة إلى وليمة، أسمعته فى البداية قصائد من الشعر الإنجليزى تحكى عن الحرب والعودة وأعياد الميلاد، استدرجته إلى الممشى الأسمنتى المحاذى لنهر التايمز تحت جسر واترلو، فى برد مارس القارس، كانت الساعة تشير إلى العاشرة ليلا، أسندته إلى عمود كونكريتى ضخم، اقتربت منه كثيراً، التصقت به، قربت شفتيها حتى صار يسمع هسيس أنفاسها وصدرها يعلو ويهبط، الشاطئ مهجور إلا من بعض المارة الذين يمشون بسرعة هرباً من البرد، والنهر كان يضيف إحساساً مضاعفاً بالبرودة، المراكب مطفأة المصابيح إذ لا سياح ولا عشاق ولا سكارى، ولكن ماذا يفعل ذلك المغنى الأسود فى هذا المكان؟ لماذا اختار هذا الركن المهجور؟ لجلد الذات أم هو الأمل المستحيل لعل أحداً يمر فينقده بعض النقود ليشترى به شيئاً من البطاطا المقلية وعلبة سجائر أو حتى زجاجة بيرة، كان مستنداً إلى عمود الكهرباء يعزف على قيثارته مرددا أغنية غير مشهورة:
"أيها السائر لوحده على الرصيف/ وفى مخيلتك صورة الحبيبة/ تلك التى هجرتك إلى غيرك/ لا تبتئس كثيراً/ فحبيبتك التى تشبه الآن حقلا بهيجا/ سيغادرها الألوان/ وتهجرها العصافير وتصير يباباً/ بمجرد أن يتوقف هطول المطر، دن دن دن ددن دن".
الله ماذا يعنى هذا المغنى الأسود، قالها محجوب فى سره، وما أكبر الفرق بين هذا المكان وبين "كوفنت جاردن"، حيث المقاهى والمطاعم والبارات المزدحمة، ونادراً ما يرى الإنسان هناك امرأة وحيدة أو رجلا وحيدا.
اقتربت سعاد أكثر، التصقت به أكثر، عانقته بلا خجل من النهر وأسماكه، وبلا اكتراث من المارة وكاميرات المراقبة، همست فى أذنه: أيها الصديق، سنفترق بعد قليل، وستكمل رحلتك إلى المنزل بدونى، سنفترق بلا حرقة ولا دمعة ولا لسعة، سيكون لفراقنا وقع جميل، سيكون أجمل فراق وأسهل فراق فى حياتى، فكلانا يا صديقى تجاوز الأربعين ونتفهم الأمور بروية وعقل، لنتألم ولكن كل على انفراد ونتناول العشاء الأخير على انفراد، سأجعل لفراقك هذه الليلة نكهة الجوز والعسل، وأشبعك باللمس والهمس، سأحيطك بحنان كامل وأغدق عليك عناقاً وقبلاً، سأودعك ببساطة ولكن دون حقد أو زعل.
مدّ يده من تحت المعطف الأسود، تحسسها كأنه لم يصدق وجودها معه، لم تكن كالليلة فى السخاء والعطاء ولم تمانع فى شىء، ماذا ستفعلين بعد فراقى، قالها وهو يمثل دور القوى المتماسك: لا شىء سأعود إلى غرفتى الباردة أتذكر بين جدرانها أهلى وجيرانى وتقافز الأطفال من حولى وصخب الأعراس، سأعود إلى غرفتى إذ ينتظرنى سرير وكتب مبعثرة وملابس مكومة حيث لا دفء أم ولا حنان أب ولا ضجيج إخوة، لقد اتصل بى صديقى القديم ووعدنى بالزواج سأعود إليه فأنا أحبه.
انتفض محجوب، فصل جسده عنها برفق بالغ كما يفعل الآباء، صافحها بأدب، مشى معها بصمت حزين، شعر بأن الليل ازداد ظلاماً والبرد ضاعف حدته والنهر زاد هديره، وقفا على قارعة الطريق عدة ثوانٍ، اتجهت هى نحو اليسار حيث موقف الباصات واستدار هو نحو اليمين حيث محطة القطار، وحانت منه التفاتة، فوجدها تصعد إلى الحافلة المتجهة نحو "كنغ كروس" يعتليها مسحة انكسار.
ما زال القطار يتنقل بين المحطات تحت الأرض، وما زال التعب يرتسم على وجوه الركاب وقد تخلى الجميع عن جرائد المساء التى توزع مجاناً فى قطارات لندن، سمع الجميع من مكبرات الصوت نبأ الوصول للمحطة الأخيرة:
This train will now terminate here, all change please,
Take all your belongings with you, all change please.
"هذا القطار سيتوقف هنا وعلى جميع الركاب النزول واصطحاب أمتعتهم معهم"، فقام محجوب من مقعده متثاقلاً وهو يتمتم قائلاً:
إيه، إذن هكذا تنتهى الحكايات، لقد ذهبت سعاد، ونسيت أن أعيد إليها صورتها التى أهدتنى إياها فى لقائنا الأول فى أحد المؤتمرات، نسيت أن أقول لها تذكرينى على الأقل كلما دقت الساعة العاشرة أو كلما رأيت جسراً، أو كلما دخل الليلة بظلمته أو كلما ضاق صدرك أو كلما ذكرت أهلك أو، أو، أو.. كل ساعة عاشرة ونحن بحزن عميق.
(*) القصة حقيقية، لكن الأسماء غير صحيحة حفاظاً على خصوصيات الأفراد، وقد مرت على هذه الحادثة عشر سنوات، وقيل إن سعاد لم تتزوج حبيبها لأنه لم يجئ قط، وما الفائدة من معرفة أنه مات أثناء عبور الحدود أو أنه ببساطة أخلف وعده وتزوج بنت الجيران وخلف منها عدداً من البنات والصبيان، وأنها حصلت على اللجوء بعد أن ساءت حالتها النفسية، وهى الآن تعانى الوحدة بمفردها فى شقتها الصغيرة غرب العاصمة لندن يشاهدها البعض أحياناً، وهى تجر آلامها كما تجرّ عربتها اليدوية متجهة نحو متجر (تيسكو) القريب لشراء بعض الحاجيات والأطعمة، دون أن تنسى إلقاء التحية على من تصادف فى دربها من العرب وغيرهم من أهل المنطقة بابتسامة مشوبة بالحزن.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.