الأسبوع الماضى بين فرحة تجليس بابا جديد للكنيسة الأرثوذكسية وبين حادث قطار أسيوط الذى أودى بحياة 51 من الأطفال بسبب الإهمال والفساد والجهل قررت الكنائس المصرية الانسحاب من الهيئة التأسيسية للدستور، لتثبت مرة أخرى أن هذه الكنيسة كنيسة وطنية لا تعمل لمصلحتها بل لمصلحة الوطن والحفاظ على الهوية المصرية بعد أن ثبت من مسودة الدستور أنه لا ولن يُعبر عن توافق وطنى حقيقى، والكنيسة لن ترضى أن توقع على وثيقة لا تعبر عن مصر والمصريين رغم أنها حاولت أن تتعاون مع سائر القوى الوطنية على أمل أن يجد المصريون دستوراً مدنياً يكفل المواطنة للجميع فى إطار عصرى وديمقراطى والكنيسة لم تعارض أن يتضمن الدستور المادة الثانية التى تنص أن "الإسلام دين الدولة واللغة العربية لغتها الرسمية ومبادىء الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسى للتشريع"، وذلك حفاظاً على وحدة الشعب المصرى إلا أنها فوجئت أن الصياغة تتجه بمصر نحو الدولة الدينية على سبيل المثال وليس الحصر المادة 220 التى تنص "أن مبادئ الشريعة الإسلامية تشمل أدلتها الكلية وقواعدها الأصولية والفقهية ومصادرها المعبرة فى مذاهب أهل السنة والجماعة". وهذا النص يمثل تعديلاً على المادة (2) بالمخالفة للتوافق العام وبينما تمثل مبادئ الشريعة الإسلامية الثابت والمتفق عليه من حيث المصدر والمدلول، فإن أحكام الشريعة هى المتغير بحسب الظروف والزمان والمكان وهو مختلف عليه بين الفقهاء بحكم طبيعة الأمور "مما يفتح الباب لتحويل الدولة الديمقراطية التى يريدها الشعب خاصة بعد ثورة 25 يناير إلى ولاية الفقيه أو من ينوب عنه فى التطبيق ولا تعرف من سينوب ومن سيطبق وعلى أى أساس سيفسر ويحكم. هذه المادة هى عينة فقط أما بقية المواد فهى مطاطية تحتمل تأويلات كثيرة خاصة فيما يتعلق بالأخلاق العامة ومن يطبقها كذلك المرأة والطفل وحقوقهم، ناهيك عن نظام الحكم الذى لا نعرف هل هو برلمانى أم رئاسى أم خليط أم شىء آخر لا تعرفه؟ وغيرها من الأسباب، كذلك السلطات الواسعة لرئيس الجمهورية الذى يعين رئيس الوزراء والقضاة وغيرهم. والكنيسة الكاثوليكية التى شاركت من خلال الحبر الجليل الأنبا يوحنا قلته مع الأخوة من الكنائس الأخرى فى اللجنة الدستورية كانت مشاركة إيجابية وهى صاحبة رؤية واضحة من خلال تعاليمها الاجتماعى فيما يخص حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية وحريات الإنسان المتنوعة والتى كما جاء فى بيانها "لم تجد لها صدى فى مسودة الدستور. مرة أخرى إننى أؤكد أن انسحاب الكنيسة من اللجنة الدستورية هو تعبير عن موقف رافض للأسلوب الذى يتم فيه صياغة مسودة الدستور والذى قد يأخذ مصر بعيداً إلى مدى لا يعرفه إلا الله، ولكن مع ذلك الكنيسة تستكمل خدمتها فى المجتمع المصرى ورسالتها نحو الذى هى منه وإليه. * المتحدث الرسمى للكنيسة الكاثوليكية بمصر