محافظة الجيزة و«القومي لذوي الإعاقة» يطلقان المبادرة القومية «أسرتي قوتي»    جامعتا أسوان والسادات تبحثان سبل التعاون العلمية والبحثية والطبية    أحلى من برا.. طريقة عمل الكبدة الإسكندراني    اتحاد "شباب يدير شباب" (YLY) ينظم جلسة تدريبية حول مهارات التواصل الفعّال ضمن برنامج "تماسك"    جامعة قناة السويس تواصل فعاليات مبادرة "بداية جديدة لبناء الإنسان"    "العمل" توضح حقيقة تصريحات الوزير محمد جبران حول النقابة غير الشرعية للعاملين بالقطاع الخاص    "نقل الكهرباء" توقع ثلاث عقود جديدة لتعزيز مشروعات الشبكة القومية ودعم منظومة القطار السريع    خليل الحية يؤكد: حماس ماضية في تسليم جميع الجثامين رغم الصعوبات.. واتفاق شرم الشيخ سيصمد    إعلام عبري: ويتكوف وكوشنر شددا على نتنياهو بعدم اتخاذ أي خطوات تهدد اتفاق غزة    فيضانات مدمرة تجتاح ألاسكا ويُطلب من ترامب إعلان الطوارئ    اليوم.. بيراميدز "السوبر" يبحث عن الثلاث نقاط من بوابة فاركو بالدوري الممتاز    القبض على زوج ألقى بزوجته من شرفة المنزل في بورسعيد    هنا الزاهد: لجأت لطبيب نفسي لتجسيد شخصية سلمى في "إقامة جبرية"    تامر عاشور وآدم يجتمعان في حفل غنائي ضخم بالكويت    نادي التثقيف المجتمعي ينظم ندوة توعوية حول السلامة على الطرق ووسائل المواصلات    وزارة الرياضة: هناك تحقيق فى أزمة لاعبى تنس الطاولة    المغرب وموريتانيا يوقعان على برنامج عمل في مجال التحول الرقمي لمنظومة العدالة    لو فيجارو: ساركوزى يتوجه بنفسه اليوم إلى سجن لا سانتيه لأداء عقوبته    السلع نصف المصنعة تقود صادرات مصر لتجاوز حاجز ال3 مليارات دولار فى يوليو    يسرا تحتفل مع محمد رمضان بإطلاق تريلر فيلم أسد وبعيد ميلاد شيرين دياب بالجونة    مصطفى هريدي يكشف ل واحد من الناس علاقته بالزعيم عادل إمام وأول أدواره    عصام السقا يعلق على خبر اليوم السابع ويرد على ليلى محاربة السرطان: ليا الشرف أركب الخيل معاكى    إنجاز المغرب.. وقدرة المصريين    إصابة 10 أشخاص إثر تصادم ميكروباصين بالبحيرة    امتحانات أكتوبر موحدة داخل الإدارات التعليمية وتقتصر على مقررات الشهر فقط    أصيب ب 44 غرزة.. محام دمنهور المعتدى عليه من أحد الأشخاص: نجوت من الموت بأعجوبة (فيديو وصور)    استقرار أسعار الدواجن والبيض اليوم مع تراجع محدود لبعض الأصناف    استقرار سعر الدولار أمام الجنيه المصري في البنوك اليوم    عضو الإسماعيلي السابق: المجلس الحالي ارتكب مخالفات جسيمة.. والوزارة انتصرت لرغبة الجمهور    موعد مباراة بنفيكا ونيوكاسل يونايتد في دوري أبطال أوروبا والقنوات الناقلة    مواعيد أهم مباريات اليوم الثلاثاء في جميع البطولات والقنوات الناقلة    فيروز أركان تخطف الأنظار بإطلالة ملكية بالأبيض في أحدث جلسة تصوير    د.حماد عبدالله يكتب: أصحاب المصالح والصوت العالى "فى مصر" !!    يوسف شاهين يتصدر الترند بعد تصريحات جريئة من يسرا تكشف كواليس أول لقاء جمعهما وموقفه الصادم من لون شعرها    مواقيت الصلاة في أسيوط اليوم الثلاثاء 21102025    تعرف على موعد إضافة المواليد على التموين في أسيوط    بالتزامن مع رفع "المنقلب " الوقود على المصريين .. لماذا استجاب ملك المغرب لجيل "زد " واحتفى بمطالبهم ؟    بعد فشل الاحتلال فى معركة طوفان الأقصى…هل يسعى ناصر القدوة للقضاء على حماس بسلاح الدبلوماسية؟    كيف تعدل المركز الانتخابي قبل بدء التصويت في انتخابات مجلس النواب؟ الوطنية للانتخابات تجيب    تامر مصطفى ل في الجول: مباراة الأهلي صعبة ولكن    السيطرة على حريق داخل مستشفى خاصة بالمنيا دون خسائر بشرية    أول تحرك من أوقاف الإسكندرية في محاولة سرقة مكتب بريد عبر حفر نفق من داخل مسجد    قرار عاجل ضد المتورطين في قضية شيكات المطربة بوسي    أهلي جدة يحقق فوزًا مهمًا على الغرافة في دوري أبطال آسيا    متى وكيف تقيس سكر الدم للحصول على نتائج دقيقة؟    إرسال عينات الدم المعثور عليها فى مسرح جريمة تلميذ الإسماعيلية للطب الشرعى    أخبار 24 ساعة.. صدور قرارات جمهورية بتعيين قيادات جامعية جديدة    متحدث الحكومة: نهدف لتيسير الخدمات الحكومية من أجل المواطن والمستثمر    النواب البحريني: نتطلع لتهيئة مسار سلام يعيد الحقوق المشروعة لشعب فلسطين    شوربة الشوفان بالدجاج والخضار، وجبة مغذية ومناسبة للأيام الباردة    هل يجب القنوت في صلاة الوتر؟.. أمين الفتوى يجيب    هل يشترط وجود النية في الطلاق؟.. أمين الفتوى يجيب    أول وحدة لعلاج كهرباء القلب بالفيوم    نقابة الأشراف تعليقا على جدل مولد السيد البدوي: الاحتفال تعبير عن محبة المصريين لآل البيت    رئيس جامعة كفر الشيخ يتابع أعمال التطوير ورفع الكفاءة بمعامل ومدرجات الطب البيطري    أمينة الفتوى: الزكاة ليست مجرد عبادة مالية بل مقياس لعلاقة الإنسان بربه    لعظام أقوى.. تعرف على أهم الأطعمة والمشروبات التي تقيك من هشاشة العظام    الرئيس السيسي يوجه بمواصلة جهود تحسين أحوال الأئمة والخطباء والدعاة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"الفتى الطاير" قصة لأحمد عبد المنعم رمضان
نشر في اليوم السابع يوم 30 - 03 - 2009

المشهد غريب للغاية، أرى السماء ساطعة من فوقى وضوء الشمس يغمرنى والأرض بعيدة عنى، لا تمسسها قدمى .. وموقفى سيئ للغاية، فأنا معلق فى الهواء، لست معلقاً على مشانق موتى، ولكن غريب الأمر أننى معلق فى شرفة منزل، بلكونة يعنى، وأغلب الظن أنه ليس منزلنا لأنه منزل علوى، كما لو أنها ناطحة سحاب فى إحدى الحوارى، فبالرغم من أنه ليس منزلنا، إلا أنه شارعنا الضيق الصاخب الملئ عن آخره بالورش والعمال والصنايعية والأطفال الذين يلعبون الكرة والأمهات اللاتى يحدثن بعضهن عبر البلكونات، يتدلى من تلك البلكونة شىء ما، قد تكون ملاءة أو قطعة من الملابس، شىء من هذا القبيل، شىء ما مصنوع من القماش، لا أستطيع أن أحدد هويته وأنا معلق هكذا فى الهواء، فأنا ممسك بأطراف هذا المخلوق القماشى المتدلى من شرفة هذا البيت العلوى، ويبدو أن تلك القماشة ثابتة فى شىء ما داخل الشرفة، وهو ما يجعلها تحملنى ولا تنزلق من بين أطراف أصابعى، ومن حسن حظى التعيس، أن تلك الخرقة أو القماشة متماسكة نوعاً ما، لم تكن مقطعة أو مهربدة، فتحملنى معها إلى أسفل سافلين.
يدى تتصبب عرقاً، والعرق يتساقط على وجهى، وعينى تنظر عالياً نحو سماء مشرقة، وكأنه ليس يوم موتى، وقدمى تتحرك فى الفضاء وكأنها تبحث عن قطعة أرض تتلمسها، مازلت أتشبث فى تلك القماشة، ويدى تنزلق رويدا رويدا، وأعصابى تنفلت من زمامها، وعيناى تطلبان العون ولكن ما من معين، لا أسمع أصوات المارة فى الشارع، ليس فقط لأن الشارع بعيد جداً عن موقعى الفضائى، ولكن أيضاً لأنى لست بحاجة أن أسمعهم فى هذا التوقيت بالذات، كنت دائما أهتم بكلام الناس وحكاياتهم السخيفة التافهة التى كانت تمثل بالنسبة لى الحكايا الأكثر إمتاعا والأكثر أهمية، كما كانت النميمة هى إحدى هواياتى المفضلة تماماً مثل النساء، أما الآن فأنا لا أسمع إلا شيئاً واحداً، صوت تمزق الخرقة من بين يدى، فهى لا تحتمل جسدى الممتلئ عن آخره، طالما نصحنى والدى أن أكون رشيقاً، فإن ذلك يزيد الصحة ويطيل العمر ولكنى لم أكن أهتم، الآن علمت قيمة تلك النصيحة، لو كنت أقل وزناً من وضعى الحالى لظللت معلقاً فترة أطول فى تلك القماشة الملعونة.
خيوط الخرقة تتفكك من بين يدى، والخرقة تتهتك أمام عينى، لم أكن أعلم يوماً ما أن تهتك خرقة بالية مثل تلك سوف يكون مشهداً مؤسفاً مؤلماً ومميتا إلى هذا الحد.
فلتت يدى...
فلتت يدى وسقطت من أعلى الكون إلى أسفله، عيناى انفتحتا عن آخرهما لأرى كل شىء ممكناً فى تلك اللحظات، فرأيت شرفات منازل كل الجيران ورأيت وجوه المشاهدين فى الشرفات ونظرات الشفقة فى أعينهم، رأيت أسلاك الكهرباء والتليفون والمواسير والجدران ورأيت أشياء لم أهتم أن أنظر إليها أبداً، فأنا لم أعتد النظر إلى أعلى وقضيت معظم حياتى ناظراً إلى الأمام، أو مغلقاً عينى من الأصل، كان الوقت طويلاً جداً ما بين سقوطى إلى حيث هبوطى، أحسست أننى أحيا حياة أخرى طويلة جداً، وجاءنى إحساس غامض أن نهاياتى لم تأت بعد، وأن حياتى سوف تمتد قليلاً أو كثيراً، لا أعلم حقاً متى سوف أموت ولكنى أظن أنه ليس الآن.
لم أشعر أبداً طوال حياتى بشدة الهواء مثلما أشعر به الآن، كم تعانى تلك الطيورالصغيرة الرقيقة، التى ترافقنى الآن فى الجوار، لم ألحظ أبداً أنها رائعة الجمال قبل الآن، أشعر أنها تنظر إلىَّ كما لو كانت تود أن تنقذنى وتحملنى على جناحيها إلى حيث الأمان، يبدو أنها مخلوق طيب لم يتسن لى معرفته من قبل.
أعتقد أننى اقتربت من الأرض، فإن حرارتها تفوق حرارة الشمس، أشعر بلهيب يحرق جسدى وأنفاس حارة تتجول من حولى. هل يا ترى هل هناك أحد ينتظرنى فى الأسفل ليستقبلنى على ملاءة بيضاء مثلما يحدث فى الأفلام التى استغرقت حياتى فى مشاهدتها، أم أن أحداً لا يهتم بحياتى سواى، إن كنت أنا أهتم أصلاً، والمخرج غائب عن تصوير مشهد النهاية، أخذنى التفكير فى تلك اللحظات التى قد تكون الأخيرة لى فوق تلك الكرة، عمن سيفرح بنهاية عمرى ومن سيحزننى فراقه ومن سيحزنه فراقى، ومن أتمنى أن يلقانى ويكون فى حسن ِاستقبالى، أفكار حمقاء، ولكن حياتى لم تسمح أبداً بأن أفكر فى تلك الأشياء، فقد كنت مشغولاً جداً بالتفكير فى أشياء أكثر حماقة.
يوم جديد، شمس مشرقة، بالتأكيد هو ليس يوم موتى أو اعتلائى المشانق، أغسل وجهى الملىء بآثار الرحلة الطويلة، وأنظر إلى ساعتى الغالية جداً، وقبل أن ألاحظ التوقيت، ألاحظ آثار الخدش الذى أصاب واجهتها، ثم ألاحظ أننى كالعادة متأخر جداً عن عملى، أسرع فى تجهيز نفسى من أجل أن أخرج إلى ذلك الشارع الذى كنت أطير فيه منذ ثوان معدودات، نزلت إلى أرض الشارع، أنظر فوقى، أتأمل تلك الشرفات وأسلاك الكهرباء والتليفون والمواسير والجدران، ولكنى ما ألبث أن أنظر أمامى وأسرع خطواتى نحو العمل، كما اعتدت أن أفعل حتى الأمس.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.