قال مسئولو أمن ومحللون إن حملة عسكرية مدعومة من الولاياتالمتحدة ربما تكون قد أخرجت متشددين إسلاميين من بلدات سيطروا عليها فى اليمن العام الماضى، لكن كثيرين أعادوا تنظيم صفوفهم وتحولوا إلى "خلايا نائمة" وتهدد مجددا المناطق التى أخلوها. وتمثل قدرة تنظيم القاعدة فى جزيرة العرب على الصمود رغم تزايد ضربات الطائرات الأمريكية بلا طيار للقضاء على المتشددين مصدر قلق للمملكة العربية السعودية وعلى أمن ممرات الشحن البحرى الرئيسية قبالة اليمن. وعندما اندلعت الانتفاضة اليمنية فى العام الماضى انشغلت قوات الأمن وحدث فراغ فى السلطة استغله المتشددون فى الهجوم على بلدات زنجبار وجعار وشقراء وأقاموا "إمارات" إسلامية. وغير المقاتلون اسمهم إلى "أنصار الشريعة" وعينوا متحدثا للتعامل مع وسائل الإعلام ووضعوا لافتات ورايات. ودفع الفقر والبطالة والاستياء من الحكومة المركزية التى ينظر لها على أنها بعيدة عنهم وفاسدة بعض الشبان للانضمام إلى هذه الجماعة. وقال سكان إن المتشددين يضمون سعوديين وباكستانيين ومصريين وشيشانا وصوماليين مما يظهر البعد الدولى للخطر الذى يمثله هؤلاء على المصالح السعودية والغربية. وبعد أن أ ذعن الرئيس اليمنى على عبد الله صالح للانتفاضة وتنحى فى فبراير دخل الجيش اليمنى المدعوم من الولاياتالمتحدة تلك المناطق واستعاد بلدات من المتشددين بعد قتال عنيف فى بعض الأحيان. لكن سكانا يقولون إن جنوب البلاد -الذى يشهد استياء من هيمنة قبلية من الشمال منذ زمن طويل كما تجددت حركة انفصالية به عام 2007- أصبح أكثر خطورة منذ ذلك الحين. وقال مدين المقبس وهو معلق مقيم فى عدن "بعد انسحابهم المفاجئ من أبين انتهى الوضع دون منتصر أو مهزوم ... جاءوا فجأة وسيطروا ثم فروا للتلال وتركوا وراءهم خلايا نائمة." وتلا ذلك موجة عنف أسفرت عن سقوط قتلى فى محافظة أبين جنوبا مما يشير إلى أن مقاتلى أنصار الشريعة ما زالوا موجودين فى منطقة مجاورة للبلدات التى كانوا يسيطرون عليها يوما. وقتل تسعة من المتشددين منهم نادر الشدادى رئيس "إمارة" جعار فى هجوم طائرة أمريكية بلا طيار أطلقت صاروخا على منزل ريفى كانوا يختبئون به خارج البلدة فى 19 أكتوبر تشرين الأول. وقال مصدر امنى يمنى لرويترز إن خمسة من المقاتلين كانوا من الفتيان من جعار ذاتها وكانوا قد انتقلوا فى هدوء إلى المنزل الريفى للمكوث هناك كخلية نائمة. وفى اليوم التالى نصب متشددون كمينا لقاعدة عسكرية فى شقراء مما أسفر عن مقتل 16 جنديا بعد الخروج من أماكنهم فى الجبال الوعرة المطلة على البلدة. وقال حسن على حسن (35 عاما) من منطقة المنصورة فى عدن والتى اقتحمتها قوات الأمن لتفتيش بعض "المنازل الآمنة" المشتبه بها هذا الشهر "المخاوف من الخلايا النائمة موجودة لدى غالبية الناس... نحن نشعر بهم ولهذا بدأنا نأخذ الحيطة والحذر." وفى يونيو حزيران قتل قائد فى الجيش بجنوب اليمن وقد اختير من الجنوب ليحل محل احد حلفاء صالح من الشمال فى مارس وذلك فى انفجار سيارة ملغومة فى إحدى ضواحى عدن. وكشفت قوات الأمن لاحقا عن مخابئ عديدة بها أحزمة ناسفة تستخدم بالعمليات الانتحارية فى المنطقة. ووقعت عشرات الهجمات وحوادث الخطف التى قام بها متشددون متخفون يستهدفون بها مسؤولى الأمن والجيش. وقالت مصادر أمن يمنية إن مثل هؤلاء القياديين الإقليميين نشطوا الخلايا النائمة لتنفيذ اغتيالات لمسئولى الأمن فى عدن وهجمات مثل ما حدث فى شقراء.وتشكل تنظيم القاعدة فى جزيرة العرب عام 2009 واكتسب سمعة بأنه الأكثر قوة وشن هجمات انتحارية على سائحين ودبلوماسيين وقام بعمليات ضد السعودية وأهداف أمريكية فى الخارج. وينظر الكثير من اليمنيين للانتشار المفاجئ للقاعدة فى شمال اليمن على أنه حيلة من صالح لتحذير من يدعمونه فى الغرب والمنطقة مما سيحدث فى حالة وقوع حليفهم الذى يثقون به. وبدأ الرئيس المؤقت عبد ربه منصور هادى يغير قادة قوات الأمن والجيش فى الجنوب ويضع شخصيات من الجنوب أقل صلة بصالح. ولقيت القيادة الجديدة ترحيبا فى عدن لاعتبارها أكثر جدية فى مواجهة تنظيم القاعدة. لكن القادة الجدد ما زال يتعين عليهم الاعتماد على ميليشيات قبلية يطلق عليها "اللجان الشعبية" داخل بلدات فى الجنوب والمناطق المحيطة بها لمنع المتشددين من العودة بكل قوتهم. ويخشى سكان من أن يكون بعض المتشددين قد اخترقوا هذه اللجان الشعبية نظرا لأن جماعة أنصار الشريعة فى جعار تمكنت من التفاوض على اتفاق مع الجيش يتيح للكثير من المسلحين ألا يمسهم أحد. ويحاول محمد سكين الجعدنى وهو رئيس سابق لإحدى اللجان الشعبية فى شقراء ساعدت فى تنظيم القبائل فى مواجهة المتشددين العام الماضى حاليا إثناء شبان المنطقة عن الفكر المتشدد. وقال الجعدنى "بعد جعار وزنجبار تحولت القاعدة إلى خلايا نائمة. إنها خطر على المجتمع وهى موجودة فى أماكن عديدة. إنها تهدد القبائل والمواطنين."وشكل مجلس التحالف القبلى الاجتماعى فى مسقط رأسه فى محافظة أبين. وقال "قمنا بعمل لا بأس به مع القبائل وما زلنا نعمل على إنقاذ مناطقنا من القاعدة والأشخاص المجهولين لرفض الأفكار الإرهابية الهدامة. لقد أوجدوا ثقافة العنف والتطرف. نحاول أن نساعد السلطات على العودة." وتحدث الجعدنى عن تصرفات مثيرة للريبة من قوات صالح فى العام الماضى بما فى ذلك ثلاث حوادث عندما استهدفت مقاتلات مواقع قواته القبلية بدلا من مواقع المتشددين. وقال إن 30 شخصا قتلوا فى ذلك الهجوم الذى قالت الحكومة إنه كان خطأ. وأضاف الجعدنى "كانت القاعدة فى كل مناطق شقراء. لكننا أخرجناهم وكانت لدينا خطة للقضاء تماما على أنصار الشريعة هنا... لكن بعض المسئولين فى الدولة قطعوا الإمدادات عنا وانسحبنا بسبب ذلك. "النظام السابق أهمل واجبه. عندما كان صالح ما زال موجودا لم يكونوا يرغبون فى نجاح القبائل... عندما انسحبنا (العام الماضي) عادت القاعدة واستولت على الكود وشقراء وكأن السلطات قد رتبت ذلك سلفا." ويقول ناصر النوبة وهو ضابط جيش سابق ساعد على إحياء الحركة الانفصالية فى الجنوب إن المتشددين يتحصنون فى جبال المحفد والمراكشة المتاخمة لمناطق ساحلية مثل جعار وزنجبار وشقراء. لكنه أضاف أن خطر الموت الذى يواجهونه يتزايد بسبب الطائرات بلا طيار فى حالة ظهورهم. ومضى يقول إنهم يظهرون فى بعض الأحيان فى الشوارع فجأة ثم يختفون كأنهم يتحركون بجهاز للتحكم عن بعد. ومضى يقول إنهم يركبون سيارات دفع رباعى عليها ملصقات تنظيم القاعدة لكن منذ سقوط صالح بدأت هجمات الطائرات بلا طيار تحدث أثرا. وكان للطائرات بلا طيار دور كبير فى الإستراتيجية الأمنية لحكومة صنعاء منذ تولى هادى الرئاسة. ويقول سكان البلدات التى كان يسيطر عليها يوما تنظيم القاعدة إن الكثير من المبانى استهدفت خلال الحملة هذا العام لإخراج الإسلاميين. وتبنت بعض شخصيات قبلية فى الجنوب لواء الجهاد. وكان أحدهم أنور العولقى الأمريكى المولد الذى قتل إلى جانب ابنه خلال هجوم طائرة أمريكية بلا طيار فى 2011 وطارق الفضلى الذى نشأ فى السعودية وحارب فى أفغانستان. وأيا كان السبب لانتشار القاعدة والفترة القصيرة التى خرج فيها أعضاء أنصار الشريعة للعلن فإن محللين يقولون إن ظاهرة التشدد سوف تنحسر فى ظل وجود أقوى وأكثر فاعلية للدولة وأيضا مع التنمية الاقتصادية التى ستؤدى إلى توفير وظائف. وعلى الرغم من قدرة تنظيم القاعدة فى جزيرة العرب على إيجاد الموارد فى جنوب اليمن فإن محمد قحطان وهو من حزب الإصلاح الإسلامى فى صنعاء واثق من أن القاعدة التى قتلت مئة جندى فى هجوم انتحارى خلال عرض عسكرى فى صنعاء فى مايو بدأت تشعر الآن بضغط أكبر.