بعد 39 عاماً كاملة من رحلة التغييب والنسيان والاضطهاد وبعد أن أفنى عمره وجهده وعلمه فى خدمة وطنه، أراد القدر أن يسعد روح العقل المفكر لنصر أكتوبر وأن يرد له شرفه واعتباره وكيانه لقائد تفانى فى خدمة وطنه فى كل حروبها وصانع إنجاز العبور مع زملائه فى ظل زعماء ورؤساء اعتادوا على التعتيم وطمث تاريخ غيرهم واختزال البطولات فى دورهم ونسج خيوط من الوهم لاختزال الوطن فى شخص واحد هو الحاكم أينما وجد وكيفما كان وبصرف النظر عن من يكون. جاء تكريم اسم بطلى أكتوبر السادات صاحب القرار والشاذلى صاحب الخطة الذكية لفتة كريمة ذكية غابت عن المجلس العسكرى فى فترته الانتقالية لحكم البلاد، فالرئيس السادات أخذ حقه كاملاً من التكريم والتلميع والنجومية فى سماء التاريخ المصرى وبطولاته التى تضمنتها صفحاته، لذا سنسلط الضوء على نجم ساطع ببطولاته وعبقريته وذكاءه الحربى وتفرده بين نظرائه من قادة العالم بأسره. الفريق سعد الدين محمد الحسينى الشاذلى من مواليد 1 إبريل 1922 قرية شبراتنا مركز بسيون فى محافظة الغربية، التحق بالكلية الحربية سنة 1939 ثم انتدب فى الحرس الملكى ثم شارك فى حرب 48 ثم انضم إلى الضباط الأحرار وشارك فى حرب 56 ثم شارك فى حرب اليمن. نال أول شهرة عندما تصدى للقوات الألمانية فى الحرب العالمية الثانية 1941 ثم زادت شهرته فى 67 عندما قاد وحدة بالقوات المصرية الخاصة والمعروفة بمجموعة الشاذلى وبعد انقطاع الاتصال بينه وبين قيادة الجيش قرر عبور الحدود الدولية إلى داخل الأراضى المحتلة بمجموعته 1500 بكامل أسلحتها يومين كاملين حتى صدرت أوامر الانسحاب وعاد إلى أرض الوطن دون خسارة تذكر نسبة إلى خسائر النكسة وكان آخر من غادر سيناء، ثم تم تعيينه قائدا للقوات الخاصة والصاعقة والمظلات ثم رئيساً للأركان. انفرد الشاذلى برؤيته فى تحرير سيناء وخاصة مع الفريق صادق وزير الحربية والذى كان يرى فيها عدم مهاجمة العدو فى حين قرر الشاذلى أن خطة التحرير لابد وأن تعتمد فى أركانها على القتال ومهاجمة العدو فى حدود إمكانياتنا وضروة استرداد جزء من عمق سيناء والتى سماها "المآذن العالية"، وعلى أثرها تم تنحية الفريق صادق وعين المشير أحمد إسماعيل الذى كان هناك خلاف قديم بينه وبين الفريق الشاذلى. تطوع الشاذلى فى علاج مشكلة الثغرة بخطة محكمة كانت ستحل المشكلة من جذورها وهى بسحب 4 ألوية مدرعة من الشرق إلى الغرب ليزداد الخناق على القوات الإسرائيلية والقضاء عليها نهائياً وهو ما عرف حديثاً "بالمناورة بالقوات" والقتال سيكون تحت مظلة الدفاع الجوى إلا أن السادات وأحمد إسماعيل رفضا ذلك الحل بعد التهديد الأمريكى المباشر. وفى 13 ديسمبر 73 وفى قمة مجده ونصره تم تسريحه لأسباب غير معروفة وعين سفيراً فى إنجلترا ثم البرتغال. كان للفريق الشاذلى رأيه فى معاهدة كامب ديفيد والذى عزل على إثره ثم لجأ إلى الجزائر وعاش فيها كلاجئ سياسى تناول خلالها مذكراته التى عبر فيها عن رأيه فى قرارات السادات الذى اعتبرها الأخير إفشاء لأسرار عسكرية وحكم عليه غيابياً بثلاثة سنوات مع الأشغال الشاقة ووضعت أملاكه وأسرته تحت الحراسة وجُرد من حقوقه ورتبه، ولو أرادت إسرائيل عقابه ما فعلت به ذلك. لماذا لا نعرف قيمة علمائنا وقادتنا، ونهينهم فينصفهم غيرنا، فكم من العقول والقدرات المصرية التى تبنى دول العالم المتقدم نهضتها على أكتافهم بعدما فروا بعلمهم من جحيم الإهمال والتخلف، ونحن مازلنا غارقين فى ماضينا غير مقتدين بصانعيه.