كنا صغارا نحب يوم السادس من أكتوبر ونفرح به دون أن نفهم أو نستوعب قيمة هذا النصر العظيم، لأننا لم نجد فى مناهجنا وأعلامنا من يجعلنا نعرف قيمته العالمية وكيف رآه العالم حتى لا تصغى آذاننا الصغيرة لمن يشكك فى نصر أكتوبر أو يتهم قادتها، ويستغل الخلافات السياسية لينكر ويتجاهل هذا النصر العظيم. أما الآن بعد أن عرفنا ما قاله أعداؤنا قبل أصدقائنا وبعد أن سمعنا وشاهدنا روايات البطولات التى لا مثيل لها فى تاريخ العالم العسكرى المعاصر وكفاءة الجندى المصرى وإقدامه وبطولته فى وقت كان المفروض أن يكون منكسرا مهزوما نفسيا. وبعد أن عرفنا أن خطة التمويه الإعلامى وحفظ سر الحرب كان معجزة فى ذاته حتى أن توقيت الحرب كان صدمة فى وقت يرون الجيش المصرى لا يبدى أى استعدادات، بينما الجنود يتجهزون فى صيامهم ووسط صيحات الله أكبر للنصر الذى حلاوته تزداد فى قلوبنا بمرور الأيام. وبعد أن أدركنا أن هذا النصر على عظمته لم يكن ليحدث لولا شعب وقف وساند وصبر ووهب فلذات كبده فضلا عن قوت يومه. وبعد أن وعينا أن هذا النصر ليس ملك المصريين وحدهم وأنه من الأنانية وقصر النظر أن نعتبره عيدا للمصريين فى حين أخرج إخواننا من الوطن العربى الكبير مقاتلين وفتحوا خزائن أموالهم ووحدوا كلمتهم وأشهروا سلاح البترول فى وجه أعدائنا المتربصين الذين كانوا ينوون مؤازرة إسرائيل وضرب مصر نيابة عنها. بعد أن وعينا ذلك كله وبعد أن أصبحت ذاكرة قوة تعيد الثقة والاعتزاز والهمة لنفوسنا عندما تحاصرنا هموم والعثرات، ليتنا نعيد لهذا النصر العظيم المكانة الحقيقية فى النفوس التى تليق به بعرض البطولات والحقائق والدروس والعبر وليس بالأغانى والناشيد. ليتنا نفهم الدرس الحقيقى لنصر أكتوبر الذى لم نعه على مدار أربعين سنة، لقد كان كل فرد شارك فى هذه الحرب الحامية الوطيس وشارك فى صنع هذا النصر بطلا لا يعادله أحد فى بطولته. حتى أننا نجد بطولات للجنود فى المعركة فى كل الأسلحة تفوق كل منها قدرة وطاقة أى من البشر. ولا نستطيع سوى أن ننبهر ونفاخر بعقول أفذاذ من الفنيين العسكريين الذين طوروا استخدام الأسلحة والمعدات لتعالج القصور فى قدرة الجيش المصرى بشكل أذهل الغرب. كما أننا نرى بطولات لقادة عظام تخلى كل منهم عن حب الزعامة والتسلط ليشارك غيره صنع النجاح والبطولة دون أن يطالب بنصيبه فى المجد والأضواء، لأن البطولة لم تكن محل نزاع. لقد بنى كل قائد على ما بناه من سبقه وأكمل كل منهم المشوار الذى بدأه الآخر ووضع كل منهم لبنة فى بناء هذا الصرح العظيم حتى وصلنا لنصر أكتوبر. لم يكن ذلك النصر وليد الصدفة أو اللحظة أو ملكا لفرد سابقا أو لاحقا على القيادة بل تشاركوا جميعا فى تحقيق هذا الإنجاز التاريخى. كان لدينا الآلاف من الجنود المجهولين والقادة الذين عملون بدأب ليلهم ونهارهم فى صمت، دون أن يبحث أى منهم لدور ينال به الزعامة والشرف والتخليد. ببساطة لقد حطم كل أبطال جيشنا كبيرهم وصغيرهم غرور إسرائيل وأسطورتها جيشها الذى لا يقهر بسلاح متواضع فى يد رجال أقوياء أشداء لا يضاهيهم فى البأس والشجاعة والتضحية أى جندى على وجه الأرض. ورغم أن الدروس المستفادة من حرب أكتوبر لا تنتهى فإن الدرس الأكبر هو أن هذا النصر لم يتحقق سوى لأن الشعب قد توحد مع جيشه ووثق به ووقف ظهيرا له، وأن سر قوة الجيش المصرى على مر العصور هو تلاحم الجيش والشعب. وإذا أراد أعداء مصر تدمير قوة هذا الجيش وكسر إرادة هذا الشعب فليس أمامهم من هدف أثمن من أن يحطموا الوحدة والتلاحم بين هذا الشعب وجيشه. ليتنا نفهم الدرس الحقيقى لنصر أكتوبر الذى لم نعه على مدار أربعين سنة، وندرك أن أمة ينسى كل فرد فيها ذاتيته وفرديته من أصغر جندى وحتى أكبر قائد، هى أمة جديرة بالنصر والعزة والكرامة.