الاستيطان، لا يزال الخطر الأكبر الذى تواجهه القدس، ولا يزال أحد أبرز عواقب السلام بين الجانبين الفلسطينى والإسرائيلى إلى جانب الممارسات القمعية المستمرة.. وهو أيضاً ما دفع صحيفة لوموند الفرنسية إلى التحذير من أن استمرار الوضع كما هو عليه، يؤكد أن الحديث عن التسوية السلمية درباً من الجنون. وعرض مراسل اللوموند فى بروكسل، استنكار الأوروبيين للمخطط الإسرائيلى لهدم منازل حى البستان فى منطقة سلوان، القريبة من القدسالشرقية، حيث حذر الاتحاد يوم الأربعاء 11 مارس السلطات الإسرائيلية من هدم منازل منطقة سلوان، بعد أن تم التخطيط لهدم 88 منزلا "قد يحرم أكثر من ألف فلسطينى من مساكنهم، وقد يمثل أكبر عملية هدم تعرضت لها المنازل الفلسطينية فى القدسالشرقية منذ 1967". وكان وزير الخارجية التشيكى كاريل شوارزنبرج، الذى ترأس دولته الاتحاد الأوروبى حاليا، قد أقر خلال مقابلة مع نظيريه الفلسطينى والإسرائيلى فى بروكسل يوم الأحد 15 مارس، أن سلوك إسرائيل يزيد من خطورة الوضع، خاصة فى الفترة الحالية. ونقلت الصحيفة تصريحات وزير الخارجية الفلسطينى رياض المالكى، والتى قال فيها إن تلك السياسة الإسرائيلية تضعف من فرص التوصل إلى اتفاق سلام، مضيفا أن الفلسطينيين قد طالبوا الأوربيين بالضغط على إسرئيل لوقف عمليات الهدم والاستيطان. وأشارت الصحيفة إلى أن الاتحاد الأوروبى لم يعترف يوما بضم إسرائيل للقدس الشرقية فى 1967، وأن السفارات الأوروبية لدى إسرائيل تقع فى تل أبيب، فى حين تضم القدسالشرقية سفارات الدول الأعضاء فى الاتحاد الأوروبى لدى السلطة الفلسطينية. وألقت الصحيفة الضوء على استهجان الدبلوماسيين الأوروبيين فى القدسالشرقية، خلال الأشهر الأخيرة، السياسة التى تنتجها إسرائيل فى ذلك الجزء من المدينة، فى عبارات لا يرددها المسئولون السياسيون فى الاتحاد الأوروبى بحذافيرها. وعادت الصحيفة إلى تقرير صادر فى منتصف ديسمبر 2008 عن الممثلين الديبلوماسيين لدول ال27 المكونة للاتحاد، يؤكد أن إسرائيل مستمرة فعليا فى عملية ضم غير شرعية للقدس الشرقية، وأن المخططات الإسرائيلية طويلة المدى فى القدس تضعف من فكرة وجود عاصمة فلسطينية فى القدسالشرقية ومن الحل المبنى على إقامة دولتين. التقرير أشار أيضا إلى السرعة التى تتم بها عملية الاستيطان وهدم المنازل الفلسطينية (ما يزيد عن 400 مسكن منذ 2004)، وسياسة التمييز فيما يختص بالإسكان، بالإضافة إلى الاستمرار فى بناء الحائط فى قلب المدينة. ويشير كذلك إلى قيام أشخاص صوريين بشراء أراضى الفلسطينيين لخدمة المصالح الإسرائيلية. كما يندد التقرير بازدياد مواقع التنقيب الآثرية التى ترجع عادة إدارتها لمنظمات تابعة للمستوطنين، حيث يؤكد الديبلوماسيون الأوروبيون أن علم الآثار قد بات فى طريقه لأن يصبح أداة أيديلوجية للمقاومة الوطنية والدينية. ومن ثم فإن من شأن كل تلك الأمور أن تضاعف من التواجد الإسرائيلى فى القدسالشرقية، وأن تضعف المجتمع الفلسطينى داخل المدينة، وفى النهاية أن تحيل دون عملية النمو المدنى الفلسطينى. يخلص الديبلوماسيون الأوروبيون أنه على الرغم من أن قلق إسرائيل حيال مسألة الأمن فى القدس أمر شرعى، إلا أن العمليات غير الشرعية التى تقوم بها الآن إسرائيل داخل المدينة وحولها، تفتقر إلى المبررات الأمنية المقنعة. كما أن تلك الأعمال تقوض من مصداقية السلطة الفلسطينية وتضعف المساندة الشعبية لمبحاثات السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين. مقاومة أهالى حى البستان فى إطار هذا السياق، كتبت الصحيفة فى تحقيقا أجرته فى القدس عن المقاومة التى تقودها اللجنة الشعبية للدفاع عن هدم مساكن حى البستان لإقامة منتزه، بدعوى أنه قد تم بناءها دون الحصول على التراخيص اللازمة. وتذكر الصحيفة، نقلا عن أحد أعضاء لجنة الدفاع، أن تاريخ بناء عدد من تلك المنازل يرجع إلى ما قبل الاحتلال فى 1967، وأنه لا يتم من الأساس منح تصاريح البناء أبدا. وقد وضعت تلك اللجنة على حائط الخيمة التى أقامتها كمقر لها، خرائط توضح مسيرة الاستيطان فى القدسالشرقية وتشير باللون الأحمر إلى نقاط التواجد اليهودية ونموها فى سلوان، التى يطمع فيها المستوطنون اليهود بشدة لتكون امتدادا للحى اليهودى. وتشير الصحيفة إلى أن تلك البقعة حيث تقع فيها مدينة داوود، تشهد أعمال تنقيب أثرية مكثفة للبحث عن آثار المملكة القديمة فى محاولة لاثبات أن تلك الأرض هى بالتأكيد يهودية.. وقد تم فعليا تدمير منزلين ويخشى الأهالى من قدوم بلدوزارت الهدم فجأة. ويحذر داوود صيام، أحد سكان حى البستان، من أن ردة فعل الأهالى ستكون عنيفة، مضيفا أن الإسرائيليين يريدون إهانتهم واستفزازهم وسرقة أراضيهم، مؤكدا على أن سكان حى البستان لن يسمحوا لهم بالقيام بذلك، مشيرا بأصبع الاتهام إلى رئيس بلدية القدس الجديد، نير بركات. وقد أشار هذا الأخير، الذى تم انتخابه قبل أربعة شهور، على حتمية تطبيق القانون بغض النظر عن هوية أو عرق أو مكان إقامة أو ديانة الفرد. تذهب الصحيفة إلى أن حى البستان قد تحول إلى منبع التوتر الإسرائيلى الفلسطينى. وقد دعت 21 شخصية حائزة على جائزة إسرائيل، ومن ضمنهم كتاب مشهورين، لوقف أعمال الهدم فى القدسالشرقية. ويجدر بالذكر أن وزيرة الخارجية الأمريكية هيلارى كلينتون قد أعربت عن تأثرها حيال هذا الوضع خلال زيارتها الأخيرة فى بداية شهر مارس، مصرحة أن عمليات الهدم تلك تعرقل عملية السلام وتمثل "انتهاكا لخارطة الطريق" التى توصى بتجميد الاستيطان. بيد أن تعليق كلينتون لم يأت على هوى نير بركات الذى وصفه بأنه "إشارة" موجهة "لهؤلاء الذين لا يحترمون القانون". بات حى البستان اختبارا لإرادة واشنطن فى اتخاذ موقف واضح ضد استمرار عمليات الاستيطان التى تحطم فرص قيام دولة فلسطينية عاصمتها القدسالشرقية كما يتمنى الفلسطينيون. وتعيش بالفعل 70 عائلة يهودية فى سيلوان، وتسعى مؤسسة آيلاد اليهودية، وهى منظمة قومية دينية، بكل السبل إلى غزو مساحات جديدة، عن طريق هدم بيت بعد الأخر، ورفع العلم الإسرائيلى فوقها. وحددت بلدية القدس أن البيوت المعنية بالهدم هى تلك التى بنيت بعد 1992. وعلى الرغم من استماتة الأهالى فى المطالبة دون جدوى بتصنيف تلك المنطقة كمنطقة سكنية، إلا أن الرفض قد أعلن نهائيا فى 17 فبراير. ومنذ ذلك التاريخ، يعيش الأهالى فى حالة من القلق التام. إلا أن الشيخ رائد صالح، رئيس الحركة الإسلامية فى الأراضى المحتلة، قد توجه إلى حى البستان معلنا "إن موقفنا واضح : إما أن نعيش على أراضينا، وإما أن ندفن فيها".