لم يعد تحليل ما يشهده الشرق الأوسط بحاجة لذكاء خارق، كى ندرك أن الحراك الجماهيرى الذى بدأ بعفوية بحثاً عن حق فى الحرية والعدالة الاجتماعية، لم يستمر ولم ينتج ما انطلق من أجله، ولكنه بات تنفيذاً عملياً لمشروع إعادة ترسيم الشرق الأوسط الجديد، لصالح الغرب والصهاينة، ما يدفعنا للقول إن ما وصلنا إليه ومازلنا نسير فيه، إنما هو طريق مغلوط وعائب بكل ما تعنى الجملة من معنى، هو مغلوط كون البعض منا يسير فيه بأمر ومباركة الغرب القاتل المحتل لأرضنا المتجاوز لكل القوانيين والأعراف والمواثيق الوضعية والسماوية، وهو عائب لأن دفع الدم بالدم هو تماماً كدفع الضحية لجلد نفسها بنفسها، وهى الطريقة الأفضل للتعرية والإضعاف والتشتيت، مما يعنى أن انتفاضة الجماهير العربية لم تنتج إلا استبدال النظم الديكتاتورية بأخرى دموية، وليدلنى أحد دون مزايدة على أحد منا بات يقبل الآخر المختلف؟!. الإجابة على هكذا سؤال من الطبيعى أن تبنى على شرطى الزمان والمكان، ولكنه من غير الطبيعى أن تنطلق من منطلقات عقائدية أوعرقية باتت متناحرة دون سبب معلوم سوى سبب الفوضى الخلاقة لصالح الآخر المستفيد من تناحرنا، والأمر لم ولن يتوقف عند تونس ومصر وليبيا واليمن والبحرين وسوريا، ولكنه جزء لا يتجزء من مخطط كامل، أنجز بعضه والبعض الآخر دوره آتٍ لا محالة، فتمدد الصراع السورى المسلح للعمق اللبنانى ليس صدفة، كما أن بدأ العمل على تصفية قيادة السلطة الفلسطينية أو تقويضها على أقل تقدير ليس من قبيل الصدفة أيضا أن يأتى من عدة جهات دولية وإقليمية فى وقت متزامن لتجفيف محيطها وصولاً إلى اغتيالها سياسياً وتنظيمياً ومن ثم تغييرها شكلياً، فى وقت عصيب تمر فيه السلطة بوضع معبء بالفراغ، ملاحق بالرصاص، محاصر بالاقتصاد، معاقب بمصادرة الأرض وتهويد القدس. وكى لا ندخل فى طرح أفكار فضفاضة دون الاستناد إلى شواهد بعينها، لنا أن نلحظ هجوم وزير الخارجية الصهيونى "افيغدار ليبرمان"، على القيادة الفلسطينية، وعنوانها الرئيس محمود عباس، ودعوته للرباعية الدولية لدعم قيادة فلسطينية جديدة، وفى الوقت ذاته علينا ألا نفاجأ حينما نستمع لدعوة القيادة الإيرانية لقيادة السلطة الفلسطينية فى رام الله والسيد إسماعيل هنية رئيس الحكومة المقالة فى آن، للمشاركة فى أعمال قمة دول عدم الانحياز المزعم عقدها فى طهران، ما يعد ضرباً لوحدانية التمثيل الفلسطينى، بل وإضعافاً متعمداً لعنوان الشرعية الوطنية التى فوجئت بإصدار الكيان الإسرائيلى، حوالى مليون تصريح للمواطنين الفلسطينيين فى الضفة الغربية خلال شهر رمضان المبارك، لدخول الأراضى المحتلة فى العام 1948 أى "دولة إسرائيل"، فى محاولة لإعادة العلاقة بين المواطن الفلسطينى والاحتلال بشكل مباشر، فى مواجهة التعنت الفلسطينى الرافض للعودة إلى طاولة المفاوضات دون الوقف الكامل لعمليات الاستيطان وتهويد الأرض وملاحقة الفلسطينين اعتقالاً واغتيالاً. وقريباً من هذه الشواهد الواضحة لتقويض السلطة، قد فاجأتنا القيادة المصرية الجديدة من جانبها، بالعمل على تنسيق كل شاردة وواردة تخص الوضع الفلسطينى مع قيادة حركة حماس فى غزة، ما يعد خرقاً واضحاً للبرتوكولات والاتفاقيات الرسمية المعمول بها إقليمياً ودولياً، فضلا عن آثار مثل هكذا تنسيق على مكانة ودور مصر فى المصالحة الوطنية الفلسطينية. نعم يدرك المرء تماماً أن التغيير سنة من سنن الحياة، ولكن التاريخ والتجارب، يؤكدان أن أى حركة دينية تمزج الدين بالسياسة توظيفاً لمصالحها، وتبدأ حكمها بالانبطاح الاقتصادى، وفقد بكارتها السياسية، وتنازلها عن شعاراتها، إنما تؤكد أنها حركة لا تعترف فى أدبياتها، بأى مفاهيم ذات علاقة بالحرية أو الديمقراطية أو التعددية، باتجاه اعتبار حكمها كما النموذج الغزى حكماً ربانياً فرضاً لا سنة. كاتب وإعلامى فلسطينى