اهتمت الصحف البريطانية بتسليط الضوء على قرار المحكمة الجنائية الدولية أمس، الأربعاء، إصدار مذكرة اعتقال بحق البشير لارتكابه جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية شديدة الفظاعة. وقالت صحيفة الفايننشال تايمز فى افتتاحيتها أمس: إن ما سيحدث بعد إصدار المحكمة الدولية لقرار اعتقال البشير، ليس واضحاً، ومازال مبهماً حتى الآن. ولكن بالنظر إلى أكثر السيناريوهات تفاؤلاً، سيكون اتهام البشير بمثابة العامل المحفز لعملية التغيير التى طال انتظارها. وستخرج مجموعة من الزعماء الأكثر براجماتية من أنقاض النظام السياسى فى الخرطوم، ومن المحتمل أن يقوموا بتسيلم البشير إلى المحاكمة، وبعدها يحاولون التوصل إلى حل سياسى لصراعات السودان لتحقيق السلام والبقاء على الساحة السياسية. ولكن هذا لن يكون بالأمر السهل، بل يحتاج الأمر إلى معجزة حتى تكون النتيجة السياسية لقرار المحكمة الدولية القانونى بهذه السلاسة، وذلك لسببين، أولاً، أن القبض على البشير فى وقت قريب ليس أمراً محتملاً. ثانياً، الرئيس السودانى ليس الديكتاتور المتسلط الذى رسمه ادعاء المحكمة الدولية. ويرى الخبراء أن هناك آخرين فى النظام لعبوا دوراً أكبر وأقوى فى تنسيق جرائم الحرب، ولكى تأخذ العدالة مجراها الصادق، يجب أن يتم إدانة هؤلاء المسئولين أيضاً. ومع ذلك، سيكون الإفراج عنهم مقابل تسليم البشير هو الأرجح. ومن ناحية أخرى، وبالنظر إلى سيناريوهات أقل تفاؤلاً مما سبق، سيحتشد المتشددون حول البشير ويؤيدونه، وسيصبح فض الصراع فى دارفور مستبعداً، وحينها ستشتعل الحرب فى جنوب السودان مرة أخرى. أما صحيفة التايمز، قالت تحت عنوان "البشير الهارب"، إن الرئيس السودانى قادر على الاختباء ولكن فقط فى بلاده. وترى الصحيفة أن قرار المحكمة لن يجدى نفعاً الآن، فالسياسة السودانية لا يتحكم فيها سوى البشير. ويجلس الجيش السودانى فى المعسكرات على أتم استعداد، ولقد تعهد أمس الأربعاء بالرد "الحازم" على من يتجرأ على التعاون مع المحكمة الجنائية الدولية. ولقد أعربت الصين، التى تشترى أكثر من 40% من صادرات النفط السودانى، عن تأييدها للبشير فى الأممالمتحدة. وكذلك وصفت روسيا المذكرة القضائية ب"السابقة الخطيرة". وتقول الصحيفة إن قرار المحكمة الدولية قد يمثل تهديداً حقيقياً فى حال ذهب البشير إلى دولة تصدق على قرار المحكمة، وحينها قد تسلمه هذه الدولة إلى القضاء، ولكنه غير مضطر إلى ترك بلاده. وهذا لا يعنى بالضرورة أن المذكرة التى أصدرتها المحكمة ليست ضرورية أو مصيرية. فهذه المرة الأولى التى تقوم بها المحكمة الجنائية الدولية بإدانة رئيس دولة، وهو الأمر الذى يفتح الطريق أمام تحقيق العدالة بصورة أفضل وأكبر. أما الجارديان فقالت فى افتتاحيتها اليوم، الخميس، إن استصدار مذكرة كان محل شكوك لأكثر من عام، ليس لأن هناك من يشكك بضلوعه فى جرائم الحرب بدارفور، وإنما بسبب الجدال القائم بين الواقعيين من جهة، والمبدئيين من جهة أخرى. وتشير الصحيفة إلى أن صدور مذكرة كهذه من شأنه إلحاق الضرر بالأشخاص الذين رفعت الدعوى من أجلهم فى المقام الأول، ويرى آخرون أن تغيير مسار العدالة الدولية استهدف حماية هؤلاء والحفاظ على سلامتهم. وما يدعو للاستغراب هو أن المحكمة الدولية لم تتهم البشير بارتكاب عملية "إبادة جماعية"، حيث سيكون من الصعب دائماً إثبات أن البشير اتبع سياسة القتل الجماعى ضد سكان دارفور لمدة أربع سنوات. ولكن اتهامه بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، والقتل، والتشريد، كفيل للقضاء عليه. وعلى الرغم من استهزاء البشير بمذكرة المحكمة، وبإمكانية عرقلة عمليات الإغاثة الإنسانية فى دارفور، إلا أن التوتر خيم على الحزب الحاكم فى السودان بسبب الأساليب التى يتبعها البشير، إلى جانب الانتخابات المتوقعة خلال هذا العام.