قبل أن أصل إلى سريرى بقليل رنّ هاتفى فرددت، وجدت على الهاتف أمّ أحد شهداء الثورة الأبرار، لا أعرف اسمها ولا اسم ابنها الشهيد، فقط حدّثتنى ليلة العيد لتقول لى: أوعوا تكونوا نسيتوا حقّ اخواتكم يا أحمد، اوعوا تكونوا راضيين ان اللى قتلوهم يتكّرموا وهم دمهم لسّه ما نشفش!! فهنأتها بالعيدّ بعد أن لم أجد شيئاً أقوله، رغم كونى كرّرت لها الوعد بألا يضيع حقّهم، وأن دمهم فى رقبتنا إلى يوم الدين، واعتذرت لها - باسم الثورة - على تكريم قتلة ابنها وذكّرتها - ونفسى - بأن هذا كلّه سببه أن الثورة لم تنتصر حتى الآن!! بالطبع هذه المكالمة قادرة على تدمير أى محاولةٍ لإظهار السعادة أو الفرح بمقدِمِ العيد أو لأى سبب آخر، ليس لكون أمّ الشهيد ذكّرتنى بدماء ابنها ورفاقه فلا أظنهم غابوا لحظة عن البال، لكن لأنّها عرّت أمامى حقيقة أنّ الثورة التى ضحّى من أجلها هذا الشهيد وغيره لم تؤتِ ثمارها، بل تعمّدت الدولة إهانة دماء شهدائها بتكريم قتلتهم، ورغم أننى استمعتُ كثيراً لأصواتٍ تردّد الحديث عن «خديعة» مرسى للعسكر بتكريمهم استعداداً للنيل منهم والثأر للشهداء، أو أنّ هذا «منهج الإخوان التدريجى الذى لا يريد الاصطدام بالشارع» أو غيرها من الجمل التى لم أجد لها مستوعباً بداخلى شكلاً ولا مضموناً بسبب ضعف حجّتها واصطدامها بكلّ ممارسات الإخوان ورئيسهم منذ اللحظة الأولى، وعلى الرغم من هذه المبررات، فإننى أؤمن يقيناً أن ما حدث كان جزءاً من الصفقة التى وصل بها الإخوان للسلطة، يقبل العسكر بالخروج، ويضمن لهم الإخوان أن يكون الخروج آمناً، وهذا ما أنا على يقينٍ بأن القادم سيعرّيه كما عرّى غيره. ولأنّه لا وقت للبكاء على ما فات فقد كانت مبادرة «القصاص حقّ» التى أطلقناها ومجموعة من شباب وقوى الثورة منذ يومين، للضغط لمحاكمة قتلة الثوّار من أعضاء مجلس عسكر كامب ديفيد، الذين تركوا مهامهم ومسؤولياتهم وانشغلوا بمراقبة الناشطين وقتل الثوّار وهتك الأعراض، فأصبحوا بسبب جرائمهم سيفاً مسلطاً على رقبة الوطن لا درعاً لحمايته، وهاتكاً لأعراض المصريين لا سِتراً لشرفهم، كلّ هذا لأجل سلطة زائلة، ورغبة فى حماية مصلحة لن تدوم، سنذهب لتقديم بلاغات جماعيّة مدعومةٍ بالأدلة «صور - فيديوهات - تقارير طبيّة ... إلخ» للنائب العام رغم كونه أول من يستحق المحاكمة، المبادرة انضمّ لها العشرات إلى الآن من أهالى الشهداء والمصابين والمعتقلين السابقين وضحايا التعذيب فى كلّ أحداث الثورة منذ استيلاء العسكر على السلطة، وكما فعلنا مع مبارك سنفعل معهم، أمّا التكريم الذى منحهم إيّاه مرسى، فليذهبوا هم ومرسى وتكريمه إلى حيث ذهب غيرهم، القلادة لن تمنع الغضب، والتعيين لن يحميهم من الثورة. ورغم أن هذه ليست الكلمات الأنسب لمقالٍ يخرج لكم فى أيّام العيد، فإنه ليس هناك أنسب من هذا الوقت لتشعروا بما يشعر به أمهات الشهداء وأهلهم، ولذا فأنا أدعو الجميع من المصابين وأهالى الشهداء والمعتقلين السابقين وضحايا التعذيب فى سجون العسكر أن يشاركوا معنا فى حملة «القصاص حقّ» لأنه ما ضاع حقٌّ وراءه مطالب، ونحن لن نترك حقّنا ولو متنا فى سبيله. «المجد للشهداء.. النصر للشعوب»