هل يمكن أن نصف هذه الفتره التى نعيشها الآن هى مرحلة هدوء سياسى؟ أين الأصوات العالية التى طالما ارتفعت بمطالب سياسية لتصحيح مسار الثوره؟ أنا لست ضد الهدوء والاستقرار ولكن الواضح أن هناك مايسترو لهذا الإيقاع يقوم بالسيطره على سرعة ودرجة الصوت للأداء السياسى، قد يكون ضابط هذا الإيقاع هو أكثر من جهة لها مصلحة أو غرض من إسراع أو إبطاء هذا الحراك السياسى، ويظل اللاعب الأساسى الذى يؤدى هذا الدور ويفرض على أرض الواقع سرعة واتجاه واهتمامات العامة هو: الإعلام. نحن فى مصر لدينا نوعين لا ثالث لهما من الإعلام، سواء المقروء منه أو المسموع أو المرئى. النوع الأول وهو إعلام رسمى للدولة هدفه بروزة من هم فى مقعد القيادة والسلطة بغض النظر عن شخصيته واتجاهاته، فهو إعلام قادة الدولة وليس إعلاماً يعبر عن هوية وثقافة الدولة. النوع الثانى هو إعلام تجارى فى شكل إعلام حر، أى أنه إعلام رجال أعمال هدفهم فى المقام الأول هو الربح. إن توزيع 30000 نسخة يومية من العدد الفلانى أو تحقيق 300 دقيقة إعلانية يومياً فى تلك القناة الفضائية هو الحد الأدنى الذى قد يرضى به أصحاب هذه الوسائل الإعلامية، ولكن كيف يتأتى لهم هذا النجاح؟ ببساطة شديدة هى أن يلعبوا فى البداية دور المعارضة حتى يصفهم الناس بالشجاعة فيقبلوا على شراء الجريدة أو مشاهدة القناه الفضائية ويزيد التوزيع وتزيد الإعلانات ثم يقوموا بعد ذلك بعمل مواءمات مع السلطة والأخذ بمبدأ (اضرب ولاقى) حتى يتصفوا بعد الشجاعة بالمصداقية فيزيد التوزيع وتزيد الحصيلة الإعلانية، ثم تأتى مرحلة الانفرادات والخبطات الصحفية وتلك نتيجة طبيعية لقرب هؤلاء رجال الأعمال أصحاب الوسيلة الإعلامية من سلطة متخذى القرار بالدولة فيصب ذلك أيضاً فى اتجاه تعزيز الأرباح للمؤسسة الإعلامية الشجاعة، المتوازنة، ذات المصداقية، صاحبة الانفرادات بمصادرها العليا فى الدولة. إن كثيرا من المواضيع الشائكة والتى قامت الدنيا ولم تقعد عندما حدثت لم يتم حسمها بعد، بل لو سألت نفس الذين كانوا فى الأصوات المعارضة التى قامت حينها ماذا حدث بعد ذلك ستجد الغالبية تقول مش عارفين؟ والأمثلة الآتية ما هى إلا نماذج من هذه الأمور التى شغلت الناس أو شغلوا بها الناس لفترة معينة ثم انتهت بلا نهاية اللهم إلا الصمت عنها وتغافل الإعلام بنوعيه الرسمى والتجارى عمداً عن الحديث فيها ليس لأنها أصبحت بلا قيمة ولكنها أصبحت بالنسبة للإعلام بلا جاذبية أى بلا متابعة، أى بلا عائد تجارى، إذاً لا مانع من تجاوزها لموضوع أكثر جاذبية وإن كان أقل أهمية. ماذا حدث فى قضايا الأموال المهربة بالخارج؟ ماذا حدث فى اتفاقية مياه نهر النيل؟ ماذا حدث فى محاكمة التمويل الخارجى لمنظمات المجتمع المدنى؟ لماذا لم تذهب السيدة فايزة أبو النجا للإدلاء بشهادتها الهامة فى هذه القضية والتى اعتذرت عنها لظروف صحية؟ ماذا حدث فى إعادة محاكمة قتلة الثوار؟ ماذا حدث فى إعادة الأمور وصلاحيات الرئيس إلى ما قبل الإعلان الدستورى الأخير؟ ماذا سيحدث لو تم حل اللجنة التأسيسية لعمل الدستور ومن سيتحمل عبئ ماتم انفاقه حتى الآن؟ ماذا حدث للمحبوسين سياسياً وليس جنائياً من قبل وبعد ثورة 25 يناير؟ ماذا تم من إيقاف المحاكمات العسكرية للمدنيين؟ وفى المقابل تجد مساحات كبيرة وساعات بث طويلة لتغطية واقعة النائب الذى رفع الآذان بالمجلس، أو عملية تجميل أنف النائب المحترم، أو قضية الفعل الفاضح المتهم فيه نائب مجلس الشعب؟ أين الهاربون من قضية موقعة الجمل؟ أين نحن من متابعة قضية "البلطجة والفرده" على أفراد الشعب؟ كيف تتحول قضية إتاوه على فندق على النيل إلى قضية تعدى طائفى على إحدى شركات رجل الأعمال القبطى المعروف؟ القضية بهذا التناول الإعلامى التجارى تكون أكثر جاذبية من مجرد قضية فرده وإتاوه اعتاد الناس عليها فى حياتهم اليومية. هل يمكن أن نصدق أن ضباط المباحث لا يعلمون أشخاص ومواقع البلطجية والذين يفرضون إتاوات على أفراد المجتمع تحت مرأى ومسمع من القيادات الأمنية؟ ماذا تم فى البلاغات المقدمة ضد الفريق أحمد شفيق حتى تظهر الحقيقه وينتهى هذا الانقسام واللغط حوله؟ عند ظهور الحقيقة سينتهى الانقسام الذى يسود الشارع المصرى ويقتنع أى من الطرفين أنه كان على غير حق فى رأيه ونعود يداً واحدة نبنى لصالح الوطن. إن الذى يبدو كأنه هدوءً سياسياً هو ليس كذلك ولكن الأحداث الجسيمة على حدودنا الشرقية والأوضاع الخدمية المتردية للحياة اليومية بالإضافة إلى رغبة المحركين للعجلة الإعلامية فى إبطاء هذا الحراك السياسى وإسباغ صفة الهدوء على الساحة هو الذى يجعلك تشعر أننا فى هذا الخمول. ويظل هؤلاء المعارضون الذين يتبعون مذهب أنا أعترض إذاً أنا موجود ترتفع أصواتهم بين الحين والآخر ع الفاضية والمليانة حتى يثبتوا أنهم على الساحة انتظاراً لانتخابات قادمة وملايين أخرى من الجنيهات فى انتظارهم من وراء تلك الكراسى البرلمانية. يبقى فى النهاية أن نتعلم ثقافة عدم التعميم وهذا هو الخطأ الكبير الذى وقع فيه الغرب ونعانى منه جميعاً كمسلمين بعد أحداث 11 سبتمبر، أى أن الذى يقوم بالعمل قد يسئ إلى فصيل بكامله وهو منه برئ، فليس لأن قاتل شاب السويس ملتحى يصبح كل الملتحين إرهابيين، أو أن يرتدى جناة حادث رفح الأليم زياً عسكرياً فلسطينياً يصبح كل الفلسطينيين خائنين، لا بد أن نكون أكثر نضجاً فى تحليل الأمور ولا ندع فرصه لمن يريد تصفية حسابات قديمه بين الفصائل المختلفه أن يأخذنا بعيداً عن مصلحة الوطن العليا وحلم المواطن البسيط أن يعيش آمناً فى بلده يشعر بكرامته داخل وخارج مصر ويتحقق لكل فرد فيه مؤيد أو معارض ما خرج الشباب من أجله فى 25 يناير وهو عيش، حرية، كرامة، وعدالة اجتماعية.