شهدت أمس بصحبة "فريقى" من الشباب والشابات الذين سيشكلون طفرة في عالم الإعلام قريباً بإذن الله عرض "حواديت"، آخر إصدارات الأستاذ خالد جلال بمركز الإبداع بدار الأوبرا المصرية، والحقيقة أنها لم تكن المرة الأولى التي أشاهده بها، ولكننى رغبت فى أن يشاهد هؤلاء الشباب عروض "جلال" ليقتربوا أكثر من الأداء الفني الصادق، ويشعرون بتلك الطاقة الشبابية التي تشع من شخصيات العرض، ويسيرون على نهج الحماسة والرغبة في النجاح مثلما يفعل نجوم مركز الإبداع، واستجاب على الفور "جلال " لرغبتى لأنه دائماً يرعى مواهب الشباب في أي مجال كانوا، وعلى الرغم من أننى أعرف الحواديت والحكايات التي يتضمنها العرض، إلا أننى ظللت طوال مدة المسرحية التي تخطت ساعتين منتبهة إلى حد التوحد مع الشخصيات وقصصهم وصراعاتهم ، أضحك كثيراً على موقف كوميدى عرفته من قبل، وأبكى بشدة على حدث مأسوي شاهدته أيضاً من قبل، لكن مازال يؤثر بى ويسيطر على مشاعرى، وتكرار الفرجة لم يؤثر أبداً على التلقى . لذا بعد أن انتهيت من العرض وكعادتى في مسرحيات " الأستاذ" أدخل في دوامة من الأسئلة التي تداعب عقلى كناقدة شاهدت مئات العروض المسرحية في مصر وخارجها، لكن يظل إبداع خالد جلال له مذاقاً خاص، فسألت نفسى وأجبتها في الوقت ذاته، كيف يستطيع " خالد الأثر" ، أن يخلد مسرحياته في عقول جمهوره إلى هذا الحد، كيف نستمتع بها وإن شاهدناها أكثر من مرة، كيف تتجدد الضحكات وتذرف الدموع في كل مرة نشاهد فيها العرض ذاته؟ والإجابة جاءت أسرع من السؤال، لأنه ليس مخرج له رؤية، أو مؤلف متمكن من أدواته، أو مكتشف نجوم وحسب، أو حتى مدير محبوب ولديه مهارة، فخالد جلال هو كل هؤلاء السابق ذكرهم، هو ماكينة عملاقة لإنتاج الإبداع في مصر، ينقب عن المواهب ويفرزها ويختار من بينها نجوم المستقبل في المسرح والسينما والتليفزيون، هو في ذاته مركزاً للأبداع ، وفنه وطاقته وإرادته وتصميمه علي النجاح أدواته التى لا تفني وتستحدث دائما من عدم، ومثلما قال أمس في بداية عرض حواديت، أنه جاء إلي المركز وهو مجرد " طوب أحمر" منذ 23 عاما ثم تحول إلى هذه القبلة للموهوبين من داخل مصر وخارجها، فهو بالفعل صنع كيان فني عملاق من عدم ، فمركز الإبداع من وجهة نظرى ليس مجرد مبنى ، جدران أو حتى مسرح ، لكنه روح وطاقة وعزم وإصرار "خالد جلال" . أما عن " حواديت" فكعادة "جلال" أو دعوني استخدم اللقب الذي اطلقته عليه من قبل " أيزنشتاين مصر" لما يمتلك من أدوات ومهرات تمكنه من تقديم صورة سينمائية على خشبة المسرح، وكأن العرض خضع للمونتاج من قبل، يسيطر علي حواس المتفرج من البداية إلى النهاية، وعلي الرغم من أنه يستخدم أدوات وتقنيات مسرحية من شأنها أن تكسر الإيهام "كالميتاتياترو"أو "مسرح داخل مسرح"، إلا أننا نظل تحت تأثير " جلال" طوال العرض، نضحك عندما يريدنا أن نضحك، ونبكي عندما يقدر لنا أن نبكي، ويظل يتلاعب بمشاعرنا بين الضحك العميق والبكاء الشديد، لنكتشف في نهاية العرض أننا كنا نضحك علي أنفسنا ونبكي على أحوالنا، وهكذا صار "حواديت" علي هذا النهج ، غير أنه قدم وجوه جديدة بأداء نجوم كبيرة، أستطيع أن اتذكر كل الشخصيات التي لعبوها وكل الحكايات التى روها، فحتى بعد أن يخرج المتلقي من العرض يظل تأثير "جلال" وتأثير نجومه الشباب عالق في ذهنه إلى الحد الذى يدفعه للذهاب مرة أخرى ليأخذ جرعة جديدة من الاستمتاع. وهذا ما حدث معى تماماً، كررت الزيارة وأعتقد أننى سأكررها مرات أخرى، حتى نلتقى به في عرضاً جديد.. شكراً يا أستاذ.. شكراً على هذا الإبداع يا مركز للإبداع .