هناك مَنْ يبحث عن الحب لذاته، دون أن يفكر في الراحة، فهو يظن أن راحته تتحقق مع الحب، في حين أن الحقيقة قد تكون مُغايرة لهذا الأمر تمامًا، فأحيانًا يحب الإنسان شخصًا أو شيئًا، في حين أنه لا يجد راحته معه، فهل يمكن أن يستمر الحب بدون راحة، أظن أن هذا من دروب المستحيل، فالراحة لابد أن تكون أحد شروط الحب، فهي التي تؤكد صدقه واستمراريته، فبدونها سيموت الحب إن لم يتحول إلى كراهية. فأذكر موقفًا للفنان المثقف "خالد النبوي"، روى فيه قصة حدثت له في طفولته، حيث كان يملك حذاءً يحبه بشدة، ومع مرور الوقت أصبح ضيقًا عليه لدرجة أنه كان يؤلمه وأحيانًا يتسبب في جرح قدمه، فنصحته جدته أن يشتري حذاءً غيره، إلا أنه أبى لأنه يحب هذا الحذاء، وأصر أن يرتديه برغم ما يسببه له من آلام، فكانت النتيجة أن قدمه قد جرحت بشدة، لدرجة أنه لم يعد قادرًا على السير عليها، فكره ذلك الحذاء وذهب لجدته وهو يبكي، فقالت له: "كل مرة الدنيا تُخيرك بين اللي تحبه وللي يريحك، اختار اللي يريحك... راحتك أهم من اللي تحبه، لأنك لو مش مرتاح مع شيء بتحبه .... هتكرهه". وهذه حقيقية للأسف لا يستوعبها الكثيرون إلا بعد مرورهم بالتجربة، فالجميع يسعى للحب ويبحث عنه، ظنًا منه بأن هذه هي السعادة، في حين أن الزمن يؤكد دائمًا أن السعادة لا تتحقق إلا بالراحة النفسية، والإحساس بالطمأنينة، فالحب الذي لا يحقق هذه الأحاسيس، هو حب وهمي يضع صاحبه تحت ضغط نفسي وعصبي لا جدوى منه، ودائمًا ما تكون نهايته هو الفشل الذريع، أما مَنْ يستطيع أن يصل إلى الارتياح والثقة والأمان، فهو مَنْ حصل على الحب الحقيقي، لأن هذه المشاعر لابد أن تؤدي إلى الحب، أما عدم الراحة فنهايتها دائمًا الكراهية. فالإنسان الناضج هو مَنْ يدرك أن راحته هى سر سعادته، فمَنْ لا يرتاح في عمله يكرهه، ومَن لا يرتاح مع شريك حياته سيكرهه، ومَن لا يرتاح في تعاملاته مع أي شيء مادي، بالقطع سيكرهه، لأن الراحة هي التي تخلق الإحساس بالحب، فهي عنوان المودة، وأساس الرحمة، ولو تفكرنا بشيء من الروية سنجد أن الإنسان بطبيعته يظل يسعى ويجرب ويفشل، وتتقاذفه الأمواج، وفي نهاية المطاف يقرر أن يستقر مع كل شيء وكل شخص وكل مكان وجد راحته معه، ويكتشف حينها أن كل ما استقر عليه هو الذى يستحق يحب، فالراحة تخلق الحب وتؤكده وترسخه، وعدمها يخلق الكراهية التي لا نهاية لها. وأخيرًا، ابحث عن راحتك، لأنك ستطوف الدنيا ذهابًا وإيابًا، وستجوبها برًا وبحرًا، وفي النهاية سترسو سفينتك على الميناء التي وجدت فيه راحتك.