في زمن كانت الأعراف الخاطئة تُقدّم باعتبارها "قواعد غير مكتوبة" جاءت الجمهورية الجديدة لتكسر هذه الحلقة وتعيد الأمور إلى نصابها.. فلا حق فوق حق الدولة، ولا تبرير يعلو على القانون؛ ففي أجواء تتصدر فيها الكفاءة مكان المحسوبية والمصلحة العامة مكان الانتفاع الخاص أصبح العنصر البشري محورًا لإعادة تشكيل مجتمع يحترم الجهد ويقدّس الوقت ويواجه ثقافة الاستسهال والتجاوز التي عرقلت مسيرة الدولة لعقود. لم تعد الجمهورية الجديدة مشروعًا للبنية التحتية فقط بل رؤية شاملة لإعادة بناء الإنسان المصري ليصبح قادرًا على إدارة دولة حديثة تقوم على سيادة القانون والانضباط والمسؤولية وفي قلب هذه الرؤية تأتي قناعة القيادة السياسية بأن التنمية الحقيقية تبدأ من تصحيح السلوك العام ومحاربة الموروثات التي اعتاد عليها البعض، والتي تحوّل حقوق الدولة إلى منافع فردية تحت ستار "العُرف" أو "الاعتياد على الخطأ". لقد أدركت الدولة أن أي مشروع تنموي سيفقد فعاليته إذا ظل الإنسان محاصرًا بثقافة تبرر التجاوزات الصغيرة قبل الكبيرة من هدر الوقت في أماكن العمل وغياب الالتزام الوظيفي، وصولًا إلى التحايل على القانون واعتبار المال العام «مباحًا» طالما أن أحدًا لا يرى؛ ولذلك جاء التركيز في الجمهورية الجديدة على إعادة ضبط السلوك الإداري ورفع كفاءة الموظف وتفعيل آليات المحاسبة والرقابة ليصبح النفع العام مقدمًا على كل انتفاع خاص. وفي هذا السياق تعمل الدولة على تحرير العنصر البشري من القيود التي عطّلت طاقته لعقود سواء كانت بيروقراطية أو محسوبية أو أعرافًا تشرعن الخطأ وتجرّم الالتزام؛ فالقانون اليوم لم يعد مجرد نصوص جامدة بل ممارسة فعلية تؤمّن للمواطن حقه وتحمي للدولة مواردها، وهو ما يرسخ ثقافة جديدة عنوانها "لا أحد فوق القانون ولا مصلحة فردية تعلو على مصلحة الوطن". كما أن الاستثمار في العنصر البشري لم يعد شعارًا إنشائيًا بل مسارًا عمليًا ظهر في تطوير التعليم، وإعادة هيكلة الجهاز الإداري، وتوسيع برامج التدريب، وتمكين الشباب من مواقع القيادة، وتحسين جودة الخدمات الأساسية فنهضة الدولة ترتبط بقدرة المواطن على الإنتاج والإبداع لا بقدرته على التحايل أو الالتفاف حول القواعد. إن الجمهورية الجديدة تراهن على إنسان جديد إنسان يعرف حق الدولة قبل حقه ويؤمن بأن الانضباط ليس قيدًا بل شرطاً للتحضر وأن النفع العام لا يُختزل في الشعارات بل في سلوك يومي يبدأ من أداء الواجب وينتهي باحترام القانون. ويبقى العنصر البشري هو الثروة الحقيقية لهذا الوطن، حجر الأساس الذي تقوم عليه دولة تحارب الفوضى وتواجه الفساد وتفتح الطريق أمام كل من يريد أن يبني لا أن يهدم، ويُنتج لا أن يستنفذ ويضع مصلحة وطنه فوق أي اعتبار. في النهاية تَبني الجمهورية الجديدة دولة لا تقبل المساومات على حقها ولا تتسامح مع التحايل تحت عباءة الأعراف البالية؛ دولة تحترم الإنسان حين يحترم هو القانون وتفتح له أبواب التمكين حين يثبت أنه جدير بالثقة ومع كل خطوة تُبنى على الانضباط والمسؤولية يقترب الوطن أكثر من صورته التي يستحقه؛ دولة قوية عادلة تستثمر في إنسان يضع مصلحة بلاده فوق كل مصلحة ويؤمن بأن حماية حق الدولة ليست التزامًا إداريًا بل واجب وطني لا يقبل التأجيل.. فهل نحن قادرون؟