اختلافنا أو اتفاقنا مع الدكتور مرسى لا ينفى أبدا حقيقة أنه أول رئيس مصرى مدنى منتخب منذ سبعة آلاف سنة، وله علينا كل التقدير والاحترام كونه يعتلى سدة الحكم فى مصر. وقد ضرب رجال الحرس الجمهورى أروع الأمثلة فى ذلك، بإصرارهم على حماية الرئيس بكل السبل، بل وبكل ما أوتوا من قوة وعلم فى هذا المجال، احتراما لدورهم كجهاز مهمته الرئيسية حماية شخص الرئيس مهما كان اتجاهه أو انتماؤه أو دينه أو سياسته! وأعتقد أن الخطاب التاريخى الذى ألقاه مرسى على الأمة من ميدان الشرف والكرامة "ميدان التحرير" فى مليونية جمعة تسليم السطة، أرسى دعائم المحبة والثقة، ودحض ما أشيع من انتقادات وتشويهات ليس لها محل خاصة أن المدة التى تسلم فيها الرجل مهامه لا تتعدى بضع ساعات. أقول.. اتفاقنا أو اختلاف نصفنا مع مرسى، يعود ربما لاختلافنا مع أفكار الحزب الذى رشحه لخوض غمار رئاسة الجمهورية كونه ذا مرجعية دينية. وللتاريخ فإن أغلب المسلمين المعتدلين كانوا قد رشحوا أبوالفتوح فى الجولة الأولى من منطلق أنه مسلم مستنير – رغم خلفيته الإخوانية - إلا أن انشقاقه جعل الكثيرين يتوسمون فيه خيرا، ويتمنون فوزه بالرئاسة. إلا أن جولة الإعادة حسمت الأمر، حيث كانت هى المحك الرئيسى لفرز الوجوه، إذ ظهر جليا من يقف مع الثورة والثوار، ومن يقف مع أعداء الثورة (وليس ضد الثورة كما يشاع) من أصحاب المصالح ومصاصى دم الشعب، فانقسم المصريون بين اختيار الدولة المدنية التى مثلها أحد أوجه النظام البائد، وبين الدولة الدينية المتمثلة فى مرشح الإخوان. وللحق.. فإن فوز مرسى برئاسة الجمهورية – رغم أنه لم يكن الحلم المنشود - إلا أنه أسعد أغلبية المصريين، وأغلق الباب فى وجه إعادة إنتاج نظام "المخلوع"، وطوى صفحة حكم العسكر إلى غير رجعة. وباختلافنا واتفاقنا مع مرسى إلا أننا فى النهاية أمام رئيس مصرى منتخب – نعم بفارق ضئيل عن منافسه - إلا أنه قد فاز.. والمطلوب الآن من كل القوى السياسية والأحزاب والثوار وكل فئات الشعب المصرى وطوائفه، الوقوف خلف الرئيس المنتخب وفتح المجال ليثبت حسن نيته فى إعلاء أهداف ثورة مصر "الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية"، وقد وعد الرجل بهذا، وإلا فالمصريون فى حل من طاعته. فهل سنوفر له المناخ المناسب حتى ينهض بهذه الأمة لتستعيد الريادة التى فقدتها فى ظل نظام فاسد فقد عقله، أم أننا سنضع له "العقدة فى المنشار" لإفشاله، فتخيب آمال الملايين وتضيع ثورتنا ودماء شهدائنا هباء؟ مصر تستحق منا جميعا، مختلفين ومتفقين، مؤيدين ومعارضين، مسلمين ومسيحيين، مثقفين وعامة، رجالا ونساء، ثوارا و"فلول"، أن نسمو فوق اختلافاتنا، ونلتف جميعا حول تجربتنا الوليدة، فقوتنا فى اتحادنا، وبلادنا العظيمة تنتظر منا أن نكون بقدر مسؤولية أننا ننتمى إليها ونحمل اسمها. ف"سيادة" الرئيس هى سيادة الدولة.. ومنحه الوقت والصلاحيات والدعم، والتفاف الشعب حوله هو السبيل الوحيد لإعلاء شأن مصر والمصريين.