الباب الموارب، من الأقوال الوصفية الدقيقة فى العامية المصرية، فيما يتعلق بمسألة العلاقة بوجه عام، ليست الإنسانية فحسب، ولكن – أيضا – فى العلاقات السياسية. الباب الموارب أو المفتوح قليلاً، تعبير مجازى يعنى ترك مساحة للتواصل أو الأمل فى عودة علاقة منتهية أو معقدة فى المستقبل القريب أو البعيد. هذا الوصف ينطبق تماماً بين "أمريكا والإخوان"، أو الدولة العظمى والجماعة الإرهابية. قبل أيام، أعلن حاكم ولاية فلوريدا رون ديسانتيس إدراج مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية (كير) وجماعة الإخوان، ضمن قائمة "المنظمات الإرهابية الأجنبية" على مستوى الولاية، فى خطوة لازالت تثير جدلا واسعا داخل الولاياتالمتحدة، لكونها لا تستند إلى تصنيف فيدرالي! بهذا القرار تصبح الولاية الأمريكية، هى ثانى ولاية تتخذ الإجراء ذاته بعد تكساس التى أصدرت تصنيفا مشابها الشهر الماضي. فى صيف عام 1947، أرسل سكرتير السفارة الأمريكية بالقاهرة فيليب إيرلاند مبعوثاً إلى المرشد العام حسن البنا بمقر المركز العام للإخوان بالحلمية يطلب لقاءه.. اندهش المرشد العام من الطلب فى البداية، ولكنه وافق على الفور، وطلب من المبعوث أن يكون اللقاء بعيداً عن المقر العام للجماعة، لأنه مراقب من «البوليس السياسى».. خاصة أن المرشد – وفقاً لرواية الدكتور محمود عساف مؤسس جهاز معلومات الإخوان – "يرى أن البعض سوف يؤولون تلك المقابلة ويفسرونها تفسيراً مغلوطاً ليس فى صالح الاخوان". حمل المبعوث رد المرشد إلى سكرتير السفارة الأمريكية، الذى تفهم الوضع جيداً، وطلب أن يكون اللقاء فى بيته بحى الزمالك على النيل! وفى الموعد مساء إحدى ليالى الصيف – لم تحدد أى من الروايات التاريخ – حضر الشيخ البنا إلى بيت سكرتير السفارة، ومعه اثنان من أقرب معاونيه الدكتور محمود عساف ومحمد الحلوجى ويعمل مترجماً فورياً.. دخل الثلاثة إلى بيت سكرتير السفارة الذى استقبلهم استقبالاً حاراً، وكانت المفاجأة هى حديثه المطلق باللغة العربية، مما جعل المترجم يجلس مجرد مستمع. دخل «إيرلاند» فى الموضوع مباشرة، وقال «إن موقفكم من الشيوعية واضح ومعروف لنا.. ولقد عبرتم كثيراً عن أن الشيوعى الحاد يجب محاربته».. واستطرد إيرلاند: « لقد طلبت مقابلتكم حيث خطرت لى فكرة وهى لماذا لايتم التعاون بيننا.. أنتم برجالكم ومعلوماتكم.. ونحن بأموالنا». على مدى قرابة قرن كامل من الزمان، كان الأمريكان – ولازالو – صناعاً ومساندين لهذا الجماعة الإرهابية، وأحسنوا استغلالها فى تنفيذ مخططاتهم كأداة ترتدى رداء الدين، ولكن كل ذلك يجرى وفقاً للسياق الزمني، وطبيعة مسرح العمليات! علاقة الولاياتالمتحدة بجماعة الإخوان الآن محكومة بمعادلة معقدة لأبعد الحدود، تجمع بين الحسابات الداخلية والمصالح الإقليمية وتوازنات السياسة الخارجية. الولايات تتحرك الآن بخطوات صارمة نحو التصنيف، بينما يظل البيت الأبيض والكونجرس أكثر حذرًا فى اتخاذ قرار نهائى فى هذا الملف الشائك، بسبب تشابك جوانب الملف وتأثيره على العلاقات الأمريكية - العربية وعلى الداخل الأمريكى نفسه، وعلى العلاقة التى قامت على مدى قرن كامل ولازالت تعيش ..وستظل ! سيبقى ملف الإخوان داخل الولاياتالمتحدة أحد أكثر الملفات حساسية وإثارة للجدل خلال السنوات المقبلة، ما لم يُحسم عبر سياسة فيدرالية واضحة تُنهى حالة الازدواجية الحالية، وهو غالباً ما سيخضع لسياسية " الباب الموارب"! الذين لازالوا يتساءلون عن أسباب بقاء سياسة "الباب الموارب" بين الإخوان والأمريكان .. عليهم التكرم بإعادة قراءة هذا المقال.