يظن البعض أن كرة القدم مجرد لعبة فيها طرف فائز وآخر خاسر، ويستغربون من الشغف الكبير الذي يرونه في عيون الجماهير بالمدرجات أو خلف شاشات التلفاز، خصوصًا عند متابعة مواجهات الأهلي والزمالك، الفريقان الأكثر شعبية في مصر، وتتزايد تساؤلاتهم عندما يشاهدون الحزن العميق عند الخسارة، والتعصب الكروي، والمشاحنات التي قد تنشب بين المشجعين، فيصفون هؤلاء ب"المهاويس" الذين يعلقون عقولهم بأقدام لاعبين. صحيح أن التعصب الكروي قد يؤدي أحيانًا إلى مواقف غير محمودة، لكن كرة القدم ليست مجرد لعبة، إنها أكسير الحب والإثارة، ليس فقط في مصر، بل في كل بقاع العالم، فالجمهور المصري يعيش حالة عشق بلا حدود لكرة القدم، وكأن المباراة آلة مسحورة تسحب العقول. المشجع يتقمص شخصية نجمه المفضل، سواء كان لاعبًا أو فريقًا، وتتحول هذه المشاعر إلى طاقة إيجابية، إبداع وفن في حياته، إذ تمنحه الفرحة بالسعادة عند الفوز شعورًا بالإنجاز والانتماء. تعتبر كرة القدم متنفسًا حقيقيًا للمشجع، سواء هنا أو في أي مكان آخر. وفقًا للإحصاءات، تميل الغالبية من الطبقات المتوسطة أو الفقيرة إلى الانغماس في كرة القدم كوسيلة للتنفيس عن مشاعرهم، بحثًا عن فرحة وسعادة ربما لا يجدونها في حياتهم اليومية. ومع ذلك، فإن هذا لا يعني أن الأغنياء أو المثقفين لا يعشقون اللعبة، بل على العكس، كثير منهم يوقفون أعمالهم لمتابعة مباريات فرقهم المفضلة حول العالم، مؤازرين لاعبيهم في كل مكان. كل الفئات، من شيوخ وأطفال، شباب وكبار، رجال ونساء، فقراء وأغنياء، مثقفون وأميون، أهلاوية وزملكاوية، تتوحد عند الحديث عن منتخب مصر. هنا يظهر الحب الحقيقي لكرة القدم، حين تتحول إلى وسيلة لتجسيد الوطنية وحب الوطن. كرة القدم تمنحنا شعورًا بالانتماء، وتعلمنا معنى الفخر ببلدنا. كما وصف عالم الجغرافيا الراحل الدكتور جمال حمدان الشخصية المصرية في موسوعته "شخصية مصر"، مشيرًا إلى أن الجغرافيا هي السبيل لفهم الوطن والارتباط به، بينما ذكر المؤرخ ابن خلدون أن أهل مصر يميلون إلى الفرح والمرح، وما أجمل أن تكون الرياضة، خاصة كرة القدم، إحدى أدوات بناء الهوية الوطنية. منتخبنا الوطني بقيادة حسام حسن يستعد حاليًا لخوض منافسات كأس الأمم الأفريقية 2025 في المغرب، وسط ترقب وتشجيع الملايين من المصريين لدعم نجمنا العالمي محمد صلاح وقائد الفريق، ومعه زملاؤه في رحلة المنافسة على اللقب واستعادة الأمجاد القارية، والسعي للفوز بالنجمة الثامنة بعد أن توجنا باللقب 7 مرات آخرها عام 2010 بقيادة "المعلم" حسن شحاتة. أدعو لاعبي منتخبنا الوطني إلى وضع صور جماهيرهم أمام أعينهم، والاهتمام بما يُقال على منصات التواصل الاجتماعي، لأن دعم الجماهير هو جزء لا يتجزأ من حافز اللاعبين لتحقيق أحلامنا جميعًا. كما قالت الحكم الشعبية القديمة: "العمل المتسم بالشجاعة يتسم بالإنجاز والشهرة"، والكرة الآن في ملعب لاعبينا، فالآمر متروك للجهد والعرق داخل "حلبة" الساحرة المستديرة. أخيرًا، المطلوب اليوم هو تكاتف الإعلام، القنوات الفضائية والصحف، خصوصًا ذات الصبغة الرياضية، لدعم منتخبنا الوطني، يجب أن يتجسد الانتماء الوطني في كل محتوى إعلامي، لتعزيز الروح المعنوية للاعبين، تمامًا كما تفعل الجماهير في المدرجات والشوارع، لنراهم على منصة التتويج ويرقص معهم الشعب فرحًا كما حدث في بطولاتنا السابقة. كرة القدم، في النهاية، ليست مجرد لعبة، بل هي نبض الوطن وروحه، وقصة عشق يعيشها المصريون جميعًا.