عادةً لا أحب المقارنات ولا أميل للجمع بين أسمين تحت مظلة النقاط المشتركة، وأجد في ذلك ظلم كبير للطرفين، فكل فنان له نكهته وأسلوبه ومذاقه الفني الخاص، لكن هذا التطور الهائل الذى شهدته موهبة النجم " محمد فراج"، وأقولها "نجم" وهو يستحقها تماماً، استدعى إلى ذاكرتي الأسلوب الفني لنجمى المفضل الإمبراطور" أحمد زكى" رحمة الله عليه، الفنان المتفرد الذى وصل بالتقمص إلى ذروته، وتعدت موهبته الصدق الفني الذى قرأنا عنه في كتاب " إعداد الممثل" للمخرج الروسى " ستانسلافيسكى"، ليصل إلى مراحل تخطت حتى التقمص، فكان يدخل في أعماق الشخصية بالشكل الذى يجعله يتوحد مع الورق ويحولها من مجرد كلمات إلى شخص من لحم ودم، وأجاد اللعب مع الشخصيات المعقدة المركبة متعددة المستويات، ولم أشعر يوماً أنه "يمثل"، إنما كان يتعامل بطبيعة الشخصية وطريقتها وأسلوبها وانفعالاتها، لذا قدم عشرات الأدوار بأساليب مختلفة تماماً، ولم أجد شخصيته الأصلية بين ملامح تلك الأدوار، ففقد بصره ولم يفقد بصيرته في شخصية " طه حسين" ، وفقد براءة الشاب الريفي أو المجند البسيط مع شخصية " سبع الليل" في فيلم البرئ، واستعاد هيبته في فيلم " زوجة رجل مهم" وجسد لنا شخصية " العقيد هشام أبو الوفا" الأكثر تعقيداً ،ذلك الضابط المتسلط الذى فقد سلطته في واقعه وعاشها في خياله حتى صدم بأن الخيال وحده لا يكفى، فقرر أن يمارس سلطته للنهاية وينهى حياته بقرار منه . ونقل لنا شخصية الدجال " مستطاع" في " البيضة والحجر" بالشكل الذى يستفز حواسك، أما شخصية " محمد حسن المصرى" في النمر الأسود، فأجاد تجسيد تطورها النفسى والاجتماعى بالشكل الذى يستفز وطنيتك ، وهكذا انتقل بين الأدوار ، حتى استحق لقب الامبراطور، ومن وجهة نظرى أن معظم الفنانين الذين تمت مقارنتهم به على مستوى " الشكل" والأبعاد الجسدية ولون البشرة، لم يكونوا على القدر الكافى بالنسبة لمستوى الموهبة، لكن الأمر هنا يختلف تماماً، فعلى الرغم من التباعد الكبير والاختلاف الضخم بين ملامح " فراج" والامبراطور أحمد زكى، إلا أن هناك موهبة كبيرة تعدت هي الأخرى مرحلة التقمص تضع فراج في المعادلة، فاستطاع في فترة قصيرة أن يقدم هو الأخر مجموعة من الأدوار الصعبة إلى حد التعقيد، واستطاع أيضاً أن يمحى ملامح شخصياته تماماً، ويقدم الدور كما هو في الواقع، حينما تابعت شخصية " رجب الفرخ" في مسلسل " بدون ذكر أسماء" ذلك البلطجى المتسول الذى يحمل على عاتقه قصة إنسانية جعلته مجرماً، لم استطيع أن أفرق بينه وبين فراج، فقدم دور البلطجى كما هو دون مبالغة في التعبيرات والإيماءات كما نشاهد الأن، ولم يستخدم لحن خاص في طريقة الكلام ليثبت أنه " بلطجى" إنما قدمه كما نراه في الشوارع والأحياء الشعبية دون لزمة أو جملة تلازمه هو طوال أحداث المسلسل وتستفزنا نحن كجمهور لا يحتاج إلى كل هذه المبالغة . واعتقد إذا كان " فراج" نفسه مر بتجربة " الإدمان" لم يستطيع نقلها لنا بهذا الصدق الأقرب إلى الحقيقة، في شخصية " على الروبى" في مسلسل " تحت السيطرة"، هذا الشاب الذى أفقده الإدمان كل شيء حتى رجولته، فضحى بحبيبته وقدمها قرباناً يتمتع بها تاجر المخدرات، مقابل جرعة زائدة، هذا المشهد الذى لم يذهب من ذاكرتى أبداً، والذى نجح فيه " فراج " أن ينقل مشاعر الشخصية المتضاربة ، بين حبه للفتاة وبين عبادته للمخدرات، أما "الشيخ مؤنس" في " لعبة نيوتن " فكان نقلة نوعية في حياة " فراج الفنية" ، لأنه تقمص شخصية هذا المدعى للدين الذى يأخذ من الإيمان ستاراً ليمارس ذكورته المستبدة ونرجسيته المفرطة، وتمكن من تجسيد رجل سطت شهوته على عقيدته، واستغل سيدة تبحث لابنها عن جنسية أمريكية يعلم بقصتها وبمدى حبها لزوجها، ومع ذلك كتب الطفل باسمه ليداعب رغبتها ويحقق رغبته منها. وكل هذه الدونية والانحلال الفكرى والفساد الاخلاقى، تحطمت على صخرة شخصية " هلال " في فيلم الممر، الشاب الصعيدى الشامخ في وجه طيران العدو، وعلى الرغم من أن مساحة الدور صغيرة نوعاً ما إلا أن أثرها كان عظيما، فأتذكر إننى حضرت الفيلم في السينما واتذكر أيضاً أثر المشهد الذى تحدث فيه مع قائده ، قائلاً " يافندم مش المهم إنى أوقع طيارة ولا أثنين، المهم إن إللى في الطيارة يكون شافنى وأنا واقف قدامه مش خايف " ، فلم يدع للحضور أي اختيار سواء التصفيق . ومؤخراً طل علينا بشخصية اعتقد ستكون نقلة أخرى في حياته تمكنه أكثر من عرش الشخصيات المركبة ، فدور " صلاح" في مسلسل " ورد وشيكولاتة" الأكثر انتشاراً الأن، واحد من أهم الأدوار التي شاهدتها على الاطلاق، شخصية لها أبعاد نفسية عميقة، ذلك الشخص النرجسى الذى لا يحمل في قلبه إلا حب الذات، يفعل أي شيء وكل شيء ليحافظ على القمة التي وصل لها بالخداع والتنصل من جذوره . يحب شخصية مروة" لأنه يحب احساسه هو معها، وعندما تتعارض مصالحهما فالتخلص منها يكون القرار الأسهل من قص أظافره، يدعى حب زوجته لأنه يحب الحالة الاجتماعية التي توفرها له، وهكذا يقنعك فراج بصدق مشاعره عندما يتكلم عن " مروة" ، ثم يؤكد لك حقيقة مشاعره تجاه زوجته، لنكتشف في النهاية أنه يحب صلاح فقط لا غير، ومثل هذه الأدوار التي تأخذ المتلقى في رحلة بين التعاطف والتضامن وبين الهجوم والاتهام من أصعب الأدوار التي تكشف النفس البشرية وتعريها كما هي بما تحمل من نقائص وعيوب، ولم يستطيع " فراج" أن يقدمها كما رأيناها إلا إذا كان يحمل موهبة عملاقة تعدت حدود التقمص والاندماج، والحقيقة أن هذا المستوى من الصدق الذى قد يدخل الممثل نفسه في مشاكل نفسية بسبب الدخول في أعماق الشخصية وعدم القدرة على التخلص منها بسهولة، لم أجده إلا في نجمى الأبدى " أحمد زكى"، ولم يستفز أحد قلمى للكتابة عنه الأن إلا " محمد فراج"، الذى صرحت زوجته الفنانة " بسنت شوقى" في أحد اللقاءات التليفزيونية عن أنه يتأثر بالشخصية فترة وأن شخصية " صلاح " بالتحديد أثرت عليه نفسياً بشكل سلبى ، وهذا ما كان يحدث تماماً بالنسبة لأحمد زكى، الذى كان يحتاج إلى فترة نقاهة ليخرج من الدور . لذا قررت أن اكتب عن فراج ليس بهدف المقارنة الظالمة بينه وبين الامبراطور، لكن بهدف التأكيد على موهبته المتفردة التي ذكرتنى بتفرد وصدق "أحمد زكى"، وأعلم أن هذا الرأي أو وجهة النظر الفنية البحتة ، قد تستفز البعض ، لكن هذا رأيي وهذه وجهة نظرى المبنية على أسس علمية وأكاديمية لناقدة دراسة وتعلم المعنى العلمى والفنى للتقمص والتوحد مع الشخصيات.