إذا مات ألف شخص فى أحد الأفلام، ونجا البطل ومحبوبته وابنه الصغير، فهل يمكن أن تشعر بالسعادة وأنت تغادر قاعة العرض؟ دائما ما يشغلنى مصير الشخصيات الثانوية والكومبارس... لماذا يموتون بهذه السهولة وعدم الاكتراث؟ أليس كل منهم بطلا فى عين نفسه وأهله؟ فى أفلام الحرب والأكشن قد يكون مبررا أن تتجلى بطولة البطل عبر قيامه بقتل أكبر عدد من الخصوم (الأشرار)، ولكن فى نوعيات أخرى، مثل أفلام الكوارث والوحوش والسفاحين والكائنات الفضائية التى تغزو الأرض، يبدأ قتل (الأبرياء) منذ المشاهد الأولى، ويصل إلى ذروته مع المذبحة الختامية التى يروح ضحيتها أكبر عدد من الناس، ولكننا لا نتأثر كثيرا وأحيانا لا نتأثر مطلقا، وقد نضحك أحيانا على الطريقة التى يموتون بها، ولسان حالنا يقول فليذهب العالم كله إلى الجحيم ما دام البطل الذى نرى فيه أنفسنا سينجو. ومن الحيل الدرامية المعروفة التى يلجأ إليها صناع الأفلام جعل الموت يقترب من البطل ولكن بحساب، كأن يموت أحد أصدقائه أو معلمه أو الفتاة الجميلة التى تعرف عليها مؤخرا... ومشاهد موت المقربين من البطل مختلفة بالطبع عن مشاهد الموت المجانى الأخرى، ودائما ما يصحبها حزن ودموع وموسيقى تصويرية مؤثرة، مع أن هذا الميت قد يكون مجرد فرد وسط ساحة مغطاة بمئات القتلى...وتستغرق هذه المشاهد لحظات قصيرة عابرة، كنوع من التكفيرعن الإحساس بالذنب الناتج عن موت العشرات ونجاة البطل. هل تروج هذه الأفلام للأنانية وعدم المبالاة بمعاناة الآخرين طالما أنهم بعيدون عنا؟ ربما، ولكن اللوم لا يقع على الأفلام بقدر ما يقع على الذين يقبلون عليها ويفضلونها على النوعيات الإنسانية والواقعية، ولعل اللوم يقع على طبيعة الإنسان نفسه، الذى يكره فكرة موت المقربين منه، ولا يتصور أنه يمكن أن يموت شخصيا، أما موت من لا يعرفهم فلا يعنيه من قريب أو بعيد. هذه الأفلام قد تبدو بليدة وفظة، ولكنها تمنح المشاهد الإحساس المؤقت بالأمان، وبأنه بعيد عن أيدى الموت والسفاحين والوحوش الفضائية، وهى تؤدى وظيفة المسكن للصداع، الذى لا يرغب الإنسان عادة فى تقصى أسبابه الحقيقية وعلاجها تجنبا ل«وجع الدماغ» أكثر مما هى موجوعة.