شهد قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات فى مصر خلال السنوات الأخيرة تحوّلا نوعيا استراتيجيا، ليصبح ركيزة أساسية فى الاقتصاد الوطني، يتجاوز دوره الخدمى التقليدى إلى قطاع إنتاجى متكامل يسهم بشكل مباشر فى توفير فرص العمل وزيادة الصادرات الرقمية وتعزيز النمو الاقتصادى المستدام، هذا التحول يعكس إدراك الدولة لأهمية القطاع فى دعم التحول الرقمى الوطنى، وتحويل مصر إلى مركز إقليمى لجذب الاستثمارات فى الخدمات الرقمية والتعهيد، بما يعزز مكانتها على خريطة الابتكار والريادة التكنولوجية. تقوم الاستراتيجية الوطنية الرقمية على أسس واضحة تهدف إلى تطوير البنية التحتية الرقمية، تمكين الكوادر البشرية، ودعم الشركات المحلية والعالمية العاملة فى القطاع، بحيث يتحول القطاع من مجرد خدمة اتصالات تقليدية إلى صناعة متكاملة تسهم فى الناتج القومى، وتخلق فرصا اقتصادية متعددة.
وكان قد تم توقيع 55 اتفاقية تعاون مع شركات محلية وعالمية متخصصة فى التعهيد، من بينها 16 شركة جديدة تدخل السوق المصرى لأول مرة، و39 شركة قائمة توسع أعمالها، تهدف هذه الاتفاقيات إلى توفير نحو 75 ألف فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة خلال السنوات الثلاث المقبلة فى مجالات متعددة تشمل مراكز الاتصال، تكنولوجيا المعلومات، الذكاء الاصطناعى، وتحليل البيانات، مما يعكس نمو القطاع وقدرته على خلق فرص عمل حقيقية ومستدامة للشباب المصرى.
تعكس هذه الاتفاقيات ثقة المجتمع الدولى فى قدرات الدولة المصرية فى قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، كما تؤكد التزام الدولة بتعزيز مكانتها كوجهة جاذبة للشركات العالمية، مستفيدة من المقومات التنافسية التى تتمتع بها مصر، بما فى ذلك الكفاءات البشرية المؤهلة، التكاليف التشغيلية التنافسية، والبنية التحتية الرقمية المتطورة.
ويعد قطاع التعهيد أحد القطاعات الواعدة التى تدر عوائد اقتصادية كبيرة، حيث ارتفعت صادرات مصر من خدمات التعهيد من 2.4 مليار دولار فى 2022 إلى 4.8 مليار دولار فى 2025 بنسبة نمو 100%، فيما من المتوقع أن يصل حجم الصادرات الرقمية الإجمالى إلى 7.4 مليار دولار خلال العام الجارى 2025، وبذلك تصبح مصر من بين أكبر ثلاث دول جاذبة لخدمات التعهيد فى العالم، وهو ما يعكس نجاح الدولة فى جذب كبرى الشركات العالمية للاستثمار فى مصر كمركز إقليمى للخدمات الرقمية.
يشكل تطوير الكوادر البشرية عنصرا محوريا فى تنفيذ هذه الاستراتيجية، باعتبار أن العنصر البشرى هو القاعدة الأساسية لأى صناعة مبتكرة، لذلك، تم توسيع قاعدة الكفاءات المصرية المؤهلة والمدربة، من خلال برامج تدريبية متخصصة تستهدف خريجى مختلف التخصصات، ودمج التعليم الرقمى ضمن المناهج التعليمية فى الجامعات والمدارس والمعاهد، لتأهيل جيل قادر على مواكبة تطورات السوق الرقمى العالمى.
وقد شهدت السنوات الماضية طفرة كبيرة فى تدريب الكوادر، إذ ارتفع عدد المتدربين فى قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات من 4 آلاف متدرب سنويا قبل حوالى ثمانى سنوات إلى 800 ألف متدرب خلال العام الجارى، بفضل انتشار مراكز إبداع مصر الرقمية فى 26 مركز إبداع فى مختلف المحافظات، بالإضافة إلى اعتماد أساليب التدريب الرقمى عن بعد للوصول إلى الشباب فى جميع أنحاء الجمهورية، كما تم إطلاق مبادرة «الرواد الرقميون» لتدريب أكثر من 10 آلاف شاب وفتاة سنويا بمنح كاملة من الدولة، مع التركيز على جودة التدريب وضمان تأهيل المتدربين بشكل فعلى لسوق العمل.
كما تتضمن الاستراتيجية دعم الشركات العالمية المتخصصة فى الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات لتوسيع نطاق عملها فى مصر وفتح أسواق جديدة، من خلال حوافز تشجيعية تشمل دعم التدريب والتعيين، وتقديم مزايا تصديرية، مما أسهم فى إضافة نحو 60 ألف متخصص جديد لسوق العمل بنهاية عام 2024، وقد أدى النمو السنوى فى القطاع، الذى يتراوح بين 14 و 16%، إلى زيادة نصيب قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات من الناتج القومى الإجمالى من 3.2% عام 2018 إلى 6% عام 2025، مع تضاعف صادرات مصر الرقمية فى قطاع التعهيد، ما يعكس قوة القطاع ونجاح سياسات الدولة فى التحول الرقمى.
يعكس نجاح القطاع أيضا قدرة مصر على الاستفادة من مزاياها التنافسية فى جذب الاستثمارات الرقمية العالمية، إذ تصدرت مصر متوسط سرعة الإنترنت الثابت فى أفريقيا للعام الخامس على التوالى، كما تصنف القاهرة ضمن أهم المدن العالمية فى الابتكار وريادة الأعمال. وتعمل الدولة على مضاعفة أعداد العاملين فى القطاع وصادراتها الرقمية أربع مرات خلال السنوات المقبلة، لتعزيز مكانة مصر كمركز إقليمى للخدمات الرقمية.
وتسهم هذه التحولات فى إحداث تأثير ملموس على المجتمع المصرى، من خلال خلق فرص عمل حقيقية للشباب، وتمكين المرأة من الانخراط فى الوظائف الفنية والتقنية، فضلا عن تعزيز التعليم الرقمى وتوفير بيئة تعليمية مبتكرة، بما يضمن دمج الشباب فى الاقتصاد الرقمى وتمكينهم من قيادة التحول الرقمى محليا وإقليميا. الاستراتيجية الرقمية أيضا تؤكد على أهمية الابتكار والتطبيق العملى للتكنولوجيا، عبر مراكز متخصصة تقدم برامج تدريبية فى مجالات البرمجة، تطوير التطبيقات، الذكاء الاصطناعى، التسويق الرقمى، وتحليل البيانات، كما يتم توسيع هذه المراكز لتشمل المحافظات النائية والصعيد، لتوفير فرص متساوية لجميع الشباب، بما يضمن شمولية التنمية الرقمية ويعزز قدرة مصر على المنافسة على مستوى عالمى.
إن نجاح القطاع فى التحول من خدمة تقليدية إلى صناعة إنتاجية لا يقتصر على الجوانب الاقتصادية، بل يمتد ليشمل رفع مكانة مصر الدولية فى مجال الابتكار الرقمى، وجذب الاستثمارات الأجنبية، وخلق منظومة متكاملة من التعليم، التدريب، والتوظيف، بما يعزز الاستدامة الاقتصادية ويضع مصر فى قلب الاقتصاد الرقمى العالمى.