نود أن يفقها الزوجان ماهية المسؤولية، في خضم علاقة سامية تبني كيان أسرة تُعد لبنة لبقاء المجتمع، وأداة نهضته، وتقدمه، وازدهاره، وهنا نتحدث صراحة عن التزامات تقع في واحة العقيدة، وما يتعلق بالطبيعة الإنسانية، وما تقره مساقات الحقوق والواجبات، الداعمة للاستقرار الأسري، والمعززة لمغزى السكينة، والرحمة، والمودة؛ ومن ثم لا تتوقف المسؤوليات عند حدود الإنفاق المادي، أو صور الرعاية؛ لكنها تمتد لتشمل الأبعاد المادية والوجدانية؛ فتصبح العشرة مفعمة بالمشاركة، والتعاون، والإصرار؛ من أجل تحقيق غايات ممتدة الأثر الطيب. ما أحوج الأسرة إلى حكمتا الاتزان والتوازن، اللتان تحققان فلسفة العدل والرحمة؛ فلا نجد لظاهرة الاستبداد الأسري مكانة، ولا نرصد حالات من الجفاء، ناتجة عن القهر وممارساتِه غير السوية الكاشفة عن النرجسية؛ ومن ثم تصبح الرعاية ملبية للاحتياجات والمتطلبات الأسرية، الكامنة في حالة الإشباع المعنوي ثم المادي، وهذا ما يجب أن يقوم به الزوج تحديدًا؛ حيث الاحتواء العاطفي للزوجة، بما يؤدي إلى إشعارها بالأمن والطمأنينة، ويزيد من انتمائها لواحة الوطن الصغير. القدوة داخل حيز الأسرة نشاهدها في ممارسات قويمة، من زوج يتبع الديمقراطية في صناعة واتخاذ قراراته بكافة تنوعاتها؛ حيث تجد مساحة لا بأس بها من الشورى، من قبيل التقدير والاحترام والاهتمام بالرأي، النابع من قلوب محبة، تتمنى الخير الوفير، وحسن المسيرة، ونضج الثمرة، وتمتد القدوة لنشاهدها بوضوح في التعامل المفعم بالخلق القويم مع الآخرين، خارج الأسرة وداخلها؛ إذ ترى الكرم، والحوار البناء، والمصداقية في القول والممارسة، والوفاء بالوعود، والأمانة، وغيرها من فضائل القيم، التي يتشربها الأبناء من الآباء، عبر معايشة تقوم على الاحتواء. الزوجة المسؤولة، تشارك زوجها في إدارة شؤون المنزل؛ حيث التربية، وترتيب الأولويات، والتخطيط لمستقبل الأولاد، وتوزيع الأدوار، وتقدير الجهود، وتقديم أطر المساندة العاطفية، لكافة أفراد الأسرة، ناهيك عن الحفاظ على الكيان، من حيث كتم أسراره، وتخفيف ما يواجهه من ضغوط وتوترات، وهنا نتحدث عن رائدة، تسهم في إشاعة المناخ الداعم الباعث للطمأنينة، بما يساعد في غرس القيم النبيلة، التي تجعل البيت مستضاءً على الدوام. مواجهة السياق العصري الضاغط، يحتاج إلى تشارك المسؤولية بين الزوجين، بل، كامل المكون الأسري؛ فهناك أدوارٌ حياتية تسهم في تخيف الضغوطات، والأعباء الاقتصادية، المسببة للتوتر الأسري، والمتصلة بصور الإنفاق والرعاية على وجه التحديد، والأمر يحتاج صراحة لمزيد من القناعة بفكر التخطيط المشترك، الداعم لفلسفة التدبير والترشيد للموارد الخاصة بالمنزل، كما لا مناص عن تقاسم الأعباء، حتى لا يشعر طرف أن المسؤولية ملقاة عليه فقط، وأن الآخرين أدوارهم منحسرة في مهام بعينها قد يراها بسيطة من وجهة نظره؛ وهنا أشير إلى فاعلية الدعم والمساندة النفسية، المعززة لغور العاطفة في مساقها الإيجابي؛ لنضمن ألا تؤثر الضغوط الداخلية والخارجية، على العلاقة الأسرية بين جميع أفرادها. نوقن أن هناك ثمارًا يانعة، جراء تحمّل المسؤولية المشتركة بين الزوجين؛ حيث نتقاسم النصب في مقابل الفرح، ونبدد الظنون والشكوك لننال الثقة، ونهجر الجفاء في سبيل أن نجذر للمودة، ونترك مسببات تهشيم العلاقة؛ كي يشتد عودها، وتصمد في خضم تقلبات وتوالي الأعباء، ونتخلص من التوترات وصور العصبية المفرطة؛ لنستبدلها بالسكينة، والطمأنينة، وراحة البال، والاحتواء، ولا نعتمد على الفردية، ونهرول إلى التعاون، وفكرة توزيع المهام؛ ليشعر كل فرد بآدميته، ودوره البناء، ومقدرته على العطاء. نود أن نتخلص مطلقًا من ظاهرة التذمر الأسري، التي باتت تلوح في الأفق؛ ومن ثم نربي القلوب على فلسفة عظيمة، تتمثل في الإيثار، والتراحم، والتواد؛ كي لا نكرس في الوجدان ماهية الأنانية، وحب الذات، والسعي نحو تحقيق الطموحات، ولو على حساب الآخرين، ناهيك عن جموح نحو الشهوات والنزوات، لا نريد أن يحترق بنيان الأسرة بنيران الغيرة، والتحاقد، ومتلون الخلافات، التي تتفاقم يومًا تلو الآخر؛ فتهدم لبنة بناء الوطن؛ لكن يتوجب أن نتحلى بالصبر، والرباط، والمثابرة؛ لنفارق هوى الذات، ونصل لطريق ازدهار أسرة تفعل فلسفة تحمل المسؤولية لدى منتسبيها؛ ومن ثم نضمن بيئة آمنة لأجيال تستطيع أن تخلق لها مستقبلٍ مشرق.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع.