ماهية النضج الإنساني، تكمن في صورة ما يمتلكه الفرد من معرفة، وما يحوزه من مهارات، وما يتحلى به من صفات، تعبر عما يجوش في وجدانه، وهنا نتحدث عن صيغة تكاملية، تشير إلى الذات في مكنونها، واتزانها، ومقدرتها على تحمل المسؤولية، وفق إيمان بقيم رئيسة، يأتي في مقدمتها التفاهم والتعاون؛ من أجل تحقيق غايات نبيلة، وضبط الانفعالات في المواقف الضاغطة، والتحلي بالصبر، والتؤدة، لبلوغ الأماني، وعدالة المنطق، التي تسمح لنا بعقد مقارنات في إطار ما لدى الطرفين؛ كي تتسق الرؤى وتتكامل التطلعات، ولا يتحول الخلاف لصراع، ولا التباين إلى فجوة بينهما، وهذا صراحة ما نعبّر عنه بالتكافؤ المنبعث من الرشد؛ لتصبح العلاقة الزوجية المستقبلية مبنية على الوعي الصحيح في أنماطه المختلفة، وما نأمله من محبةٍ ورحمةٍ معزِّزتين لمناخ السكينة والطمأنينة الأسرية. أرى أن من معايير النضج في اختيار شريك الحياة تتمحور حول السلوك القويم؛ حيث حسن الخلق، والإيمان بأهمية العلاقة الزوجية وقداستها ورسالتها الكامنة في بقاء البشرية؛ لذا أضحت القيم العقدية من مقومات ترسيخ فلسفة الزواج؛ حيث حسن النوايا في بناء أسرة قويمة، يقع على عاتقها إعمار الوطن، والإضافة للمجتمع؛ فتجمع بين ثمرة الدنيا وثواب الآخرة، والتمسك بآداب حسن العشرة والمعاشرة، التي تخلق المودة، والتآلف، والوفاق، والسعادة في القلوب، ناهيك عن التزام مبرم حول التعاون؛ من أجل تربية نشء صالح يمتلك وسطية العقيدة، والمعرفة الصحيحة، والممارسات الإيجابية، والوجدان الراقي؛ ومن ثم نتجنب مواطن القصور الشائبة للعلاقة السامية. النضج والتكافؤ في الزواج يرتبط بمقدرة الطرفين على إدارة المشاعر بصورة منضبطة، تسهم في تعزيز الاستقرار النفسي والأسري، وينتج عنها نوعًا من الانسجام، سواءً في صناعة واتخاذ القرارات، أو في تسيير شؤون المعيشة، أو في مواجهة التحديات والصعوبات الحياتية، أو في تأمين المستقبل المتعلق بالأولاد، وهنا نوقن أهمية الوجدان، ودوره الرئيس المشكل للوعي النفسي لدى الشريكين؛ إذ يعد سياجًا منيعًا ضد الاندفاع في أمور عاطفية غير مدروسة، وضابطًا أيضًا للمشاعر؛ فلا نرى إفراطًا ولا تفريطًا في شتى صور التواصل بينهما، وعلى أثر ذلك نضمن تكاملًا حميدًا بين الانفعال والتعقل؛ ومن ثم نحصل على الوجدان الراقي الموجه لتصرفات الإنسان. الاعتدال سمة النضج ومحور يعول عليه التكافؤ، والمقصد هنا يدور حول الوعي الاقتصادي، الذي يبرهن على الترشيد في الاستهلاك، وحسن التدبير، مع تحري البعد عن الإسراف والتقتير، وحسن إدارة الموارد، وأبواب تحسين المعيشة المحققة للتطلعات والطموحات المشروعة، اعتمادًا على النفس، وسعي الوصول للاستقرار المالي، الضامن للاستقرار النفسي؛ كي نتفادى مراحل إحباط ناتج عن صعوبة نيل التمنيات، وكذلك الصدام المتوقع جراء ذلك، واعتقد أن التوافق حول خطط مدروسة بين الطرفان في زماننا هذا، صار أمرًا وجوبيًا؛ كي يتم التضافر حول الثوابت، وترسم الممارسات المساعدة في تحقيق المراد، وبالطبع لا ينفك كل ذلك عن التوكل على الله – تعالى - بعد الأخذ بالأسباب. الالتفاف حول المقاصد المشتركة بعد التفاهم عليها، من مقومات النضج بين طرفي العلاقة السامية، وهنا نضمن التمحيص، والتريث، والمثابرة، والصبر الجميل، والرضا، والإصرار؛ بغية الوصول للغاية المنشودة، وهذا أصفه صراحة بدعائم المشروع الناجح؛ حيث التعقّل الذي يثمر عنه التوازن في التفكير، بما يؤدي قطعًا إلى ما نسميه مرحلة التبصّر والفطنة، ولا نبالغ إذا ما قلنا أنه ينبغي توافر المرجعية الأخلاقية، الضامنة لحفظ الود والاحترام، ووحدة الفكرة، تجاه القضايا الرئيسة؛ حيث سد أبواب الخلاف، التي قد تتأتى من تضارب مخرجات أو اتصافات القيم. ما نأمله تجنب تعارض العادات والتقاليد والأفكار؛ كي نستطيع أن نحقق ماهية الارتياح المادي والمعنوي؛ فما أصعب من أن تتصادم مخرجات الأذهان، وتشعر بأن الاختيار كان بعيدًا عن التكافؤ؛ فهناك مسلمة نقر بها جميعًا، تتمثل في صورة العطاء المستدام، من كلا الطرفين دون كلل أو ملل؛ ومن ثم يشعر الزوجان بجودة الحياة.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع. __ أستاذ ورئيس قسم المناهج وطرق التدريس كلية التربية بنين بالقاهرة _ جامعة الأزهر