نحن في أشدِّ العوز إلى فلسفة الصراع الداخلي، التي تجعلنا في حالة من الارتباك المحمود؛ حيث تسْتمطر الأفكار، حيال قضايا، ومشكلات، نتعرض لها على مدار الساعة، كما أن دون قصد قد نُصوُّب من الخطأ، الذي قد نقع فيه جرّاء مزيد من التفاعلات، أو التعاملات، أو عند المطالعة لمعلومات، قد يكون بعضًا منها مشوبة، وهنا نتحدث عن حالة استعادة التركيز، التي تجعلنا في مستويات من الإدراك الصحيح، حيال ما نواجهه من تحديات، أو أزمات، أو حتى خلافات مع الآخر. لكن هنالك مستويات من الصراع، لا ينبغي أن نتجاوزها؛ فنقع في دائرة الشك، أو الحيرة، أو الخروج عن المألوف بما قد يتسبب في إحداث اضطرابات، غير محسوبة العواقب؛ لذا فنحن بحاجة إلى مرحلة الاتزان الانفعالي، التي نستطيع من خلالها أن نُنظّمُ أمورنا الحياتية، والعملية، والعلمية، بصورة قويمة؛ ومن ثم نغلق أبوابًا، قد تسبب الإرباك، ونفتح أبوابًا أخرى، تستدعي منّا أن نفكر بإيجابية في شتى أمورنا بمختلف درجات الاهتمام الموجهة إليها. هذا بالطبع يرتبط بحديثنا عن السِّلم الداخلي، الذي نشعر بملامحه من خلال طُمأْنينة النَّفس، واستقرار الوجدان، واستثمار الطاقة الداخلية لدينا، ولا يتعارض بكل تأكيد مع ماهية الصراع الداخلي؛ فالعلاقة بينهما تقوم فلسفتها على النتاج الطيّب، الذي نراه في مخرجاتٍ، ذات جدْوى بالنسبة للنفس، وللآخرين، وهنا نقول، إن التعارض الظاهري يعني في حذ ذاته صورة من صور التكامل للمكوّن البشري. السِّلم الداخلي يجهزنا؛ كي نتعامل مع المتغيرات في مستوياتها الداخلية، والخارجية؛ ومن ثم لا نستشعر تهديدًا قد ترسمه خيالات تقوم على توقعات، غير حقيقية، أو حتى على أوهام تتأتى من سلبية توارثتها الأنفسُ، عبر سلسلة من التفاعلات، والتعاملات مع الغير، وهذا يعني أن فلسفة السِّلم الداخلي لدينا، تقوم على اتصافات قيمية نبيلة، منها صدق الداخل، وحسن النوايا، وعزّة النفس، وتحمل المسئولية، والمثابرة من أجل غايات آنيةٍ، ومستقبلية، وغير ذلك مما تتقبله ذواتنا، ونؤمن به في خضمّ معتقد وسطي، يحثُّ على التمسك بملامح طبيعتنا الإنسانية، وتقويم نفوسنا في مواقيت بعينها. إيماننا بقيمنا، وتسليمنا بضرورة تفعيل ممارستها يضمنه حالة التكامل، التي أشرت إليها سلفًا بين ماهية السِّلم، والصراع؛ ومن ثم يصعب أن ننحرف عن المسار، وإذا ما انحرفنا فإننا نعود سريعًا إلى دائرة الأمان النفسي، والاستقرار العاطفي، كما نضمن تجنب الانزلاق إلى براثن الأمراض النفسية، التي تكرّسهُا إحباطات تلو الأخرى؛ فقد تتعارض في بعض الأحيان قيمنا مع واقع أليم، يجري من حولنا، وقد نرصد ممارسات تخالف صحيح ما تربَّيْنا عليه من مبادئ، وهنا يأتي الدور الفاعل للسِّلم الداخلي، الذي يجعلنا نفكر بإيجابية، ونفرض فروضًا، تحمل احتماليات، تعزِّزُ في نفوسنا الأمل، وتحدُّ من ملامح اليأس، أو الإخفاق. انتشار الأفكار المشوهة، والمستوردة، التي تتأتى من منابر، يصعب السيطرة عليها، تجعلنا في أشدِّ الاحتياج إلى الحديث مع النفس، التي يتوافر في مكنونها سِّلْمٌ داخليٌّ، وصراع داخلي؛ فالأول لا يجعلنا ننساق وراء ما يُطْلقُ، ويبثُّ، والثاني يقوم بدور المراجعة الدقيقة وفق ما نؤمن به من ثوابت، سواءً ارتبطت بالمجتمع، أو تمخِّضَتْ عن معتقداتنا الوسطية، ناهيك عن مقدرة نوعية تجاه قراءة، وتحليل بواطن الأمور بتفكير ناقد، مجرد من الأهواء. نظرتنا إلى مستقبل، مُفْعمٌ بالنور، والشروق ينبعث من دواخل، تحمل المحبة، والسِّلم الداخلي، الذي يبطن وجداننا بثقة، تقوم على صحيح استيعابنا لذواتنا؛ ومن ثم نستطيع أن نتجاهل، أو نتغافل عن أمور، لا تشكل أهمية لنا، ولا تضير بمصالح الآخرين، ولا تُسّببُ إرباكًا في مسيرة الحياة لأي طرف من أطراف المعادلة من حولنا، وهذا ما تقوم عليه فلسفة تجاوز المحن، والصعوبات، والنوازل بكل صورها؛ لأن الصراع الداخلي دومًا ما يُعزّزُ من الأمل في الغد، ويقلل من منابع الضغوط، والتوتر. السِّلْمُ، والصراع الداخلي، أعتقد أنه يضمن علاقات سوية، مُفْعمة بالسرور، والسعادة، خالية من أي ضغوطات، أو توترات، أو تجاوزات بين الجميع؛ فترى مرونة في سياقات التعامل، وحسن وُدٍّ، وألفة، وحسبان للمشاعر، وتجنب التجرؤ على الخصوصية؛ فتصبح الأواصر قوية، وهو ما يحقق لدينا ماهية الأمن النفسي، التي تقوم على انضباط، ووعي؛ لتمتلأ وجدانياتنا بالرضا، والمحبة، والتقبل، وتزيد فرص الاندماج الاجتماعي في إطارها الصحيح؛ فتبدو البهجة غامرة لأحاسيسنا، التي نُعبّرُ عنها من خلال تفاعلاتنا على مدار اللحظة.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع.