«المعدن الأصفر يتراجع الآن».. سعر الذهب اليوم الجمعة 30-5-2025 في مصر والعالم    إسرائيل وافقت عليه وحماس تدرس.. البنود ال13 ل«مقترح ويتكوف» لوقف إطلاق النار ب غزة (صور)    «المال لا يلعب».. تصريحات مثيرة من إنزاجي قبل نهائي دوري أبطال أوروبا    في 497 لجنة.. 117 ألف طالب وطالبة يؤدون امتحانات الشهادة الإعدادية في المنيا غدًا    «القومي للمسرح والفنون الشعبية» يُعلن أسماء الفائزين في مسابقة توفيق الحكيم    فحص 1147 مواطن خلال قافلة طبية مجانية بقرية البرشا بالمنيا    فى ختام دورى الجولف بالم هيلز بنزهة.. الجزيرة يسعى لتأمين الوصافة وصراع على المركز الثالث    الانتهاء من رصف وتطوير طريق بهرمس بمنشأة القناطر بطول 2.5 كم    المشاط: نتمنى التوفيق للرئيس الجديد للبنك لدعم مسيرة التنمية في إفريقيا التي تمرُّ بمرحلة حاسمة    حسام حسن يطلب خوض مباراتين وديتين استعدادًا لبطولة أمم إفريقيا    حملة مكبرة لرفع الإشغالات بشارع 135 بحي غرب شبرا الخيمة - صور    استمرار انطلاق أسواق اليوم الواحد الجمعة والسبت كل أسبوع بالمنصورة    وزير التعليم يبحث مع جوجل العالمية ويونيسف تعزيز دمج التكنولوجيا في المنظومة    سوريا تُرحب بقرار اليابان رفع العقوبات وتجميد الأصول عن 4 مصارف    ضمن ألبومه الجديد.. عمرو دياب يعود للتلحين من جديد    4 مشاهدين فقط.. إيرادات فيلم "الصفا ثانوية بنات"    المنطقة الشمالية العسكرية تستكمل تنفيذ حملة «بلدك معاك» لدعم الأسر الأولى بالرعاية    عالم بالأوقاف: كل لحظة في العشر الأوائل من ذي الحجة كنز لا يعوض    وفد من مسئولي برامج الحماية الاجتماعية يتفقد المشروعات المنفذة بحياة كريمة في الدقهلية    «من حقك تختار».. ملتقى تثقيفي عن التأمين الصحي الشامل بالأقصر    صحة المنيا: قافلة طبية مجانية بقرية البرشا بملوي تقدم خدمات لأكثر من 1147 حالة    أمجد الشوا: الاحتلال يستغل المساعدات لترسيخ النزوح وإذلال الغزيين    ألمانيا تربط تسلم أسلحة إسرائيل بتقييم الوضع الإنساني بغزة    ترامب: أنقذت الصين لكنها انتهكت اتفاقيتها معنا بشكل كامل    ماكرون: إذا تخلينا عن غزة وتركنا إسرائيل تفعل ما تشاء سنفقد مصداقيتنا    شعبة مواد البناء: أسعار الأسمنت ارتفعت 100% رغم ضعف الطلب    سقوط المتهم بالنصب على المواطنين ب«الدجل والشعوذة»    الحدائق والشواطئ بالإسكندرية تتزين لاستقبال عيد الأضحى وموسم الصيف    الصحة: تقديم الخدمات الصحية الوقائية ل 50 ألفًا و598 حاجا من المسافرين عبر المطارات والموانئ المصرية    مفتى السعودية: أداء الحج دون تصريح مخالفة شرعية جسيمة    الأحد.. مجلس الشيوخ يناقش الأثر التشريعي لقانون التأمين الصحي والضريبة على العقارات المبنية    «أوقاف الدقهلية» تفتتح مسجدين وتنظم مقارئ ولقاءات دعوية للنشء    فى ليلة ساحرة.. مروة ناجى تبدع وتستحضر روح أم كلثوم على خشبة مسرح أخر حفلاتها قبل 50 عام    4 وفيات و21 مصابا بحادث انقلاب أتوبيس بمركز السادات    حكم من شرب أو أكل ناسيا فى نهار عرفة؟.. دار الإفتاء تجيب    الإفتاء تحذر: الأضحية المريضة والمَعِيْبَة لا تجزئ عن المضحي    دعاء العشر الأوائل من ذي الحجة لتيسير الأمور وقضاء الحوائج.. ردده الآن    108 ساحة صلاة عيد الأضحى.. أوقاف الإسماعيلية تعلن عن الأماكن المخصصة للصلاة    طهران: تقرير الاستخبارات النمساوية المشكك في سلمية برنامجنا النووي كاذب    وزير الزراعة يستعرض جهود قطاع تنمية الثروة الحيوانية والداجنة خلال مايو الجاري    بث مباشر.. شعائر صلاة الجمعة من مسجد الشهيد بالقليوبية    ليلة في حب وردة وبليغ حمدي.. «الأوبرا» تحتفي بروائع زمن الفن الجميل    كأس العالم للأندية.. ريال مدريد يعلن رسميا ضم أرنولد قادما من ليفربول    الرئيس اللبنانى يزور العراق الأحد المقبل    طقس مائل للحرارة اليوم الجمعة 30 مايو 2025 بشمال سيناء    شاهد عيان يكشف تفاصيل مصرع فتاة في كرداسة    رئيسة المجلس القومي للمرأة تلتقي الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر    ريا أبي راشد: أجريت مقابلة تلفزيونية مع مات ديمون بعد ولادة ابنتي بيومين فقط    حملة للتبرع بالدم بمديرية أمن البحر الأحمر    وزير الإسكان: بدء إرسال رسائل نصية SMS للمتقدمين ضمن "سكن لكل المصريين 5 " بنتيجة ترتيب الأولويات    مصر على مر العصور.. مصر القديمة 1    موعد مباراة الاتحاد والقادسية في نهائي كأس خادم الحرمين والقنوات الناقلة    «اعتذرتله».. ياسر إبراهيم يكشف كواليس خناقته الشهيرة مع نجم الزمالك    «مالوش طلبات مالية».. إبراهيم عبد الجواد يكشف اقتراب الزمالك من ضم صفقة سوبر    "فوز إنتر ميامي وتعادل الإسماعيلي".. نتائج مباريات أمس الخميس 29 مايو    فرنسا تحظر التدخين في الأماكن المفتوحة المخصصة للأطفال بدءًا من يوليو    نجاحات متعددة.. قفزات مصرية في المؤشرات العالمية للاقتصاد والتنمية    تقارير: أرسنال يقترب من تجديد عقد ساليبا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. عصام محمد عبد القادر: الأمن الفكري.. الثمرة والمقومات
نشر في صدى البلد يوم 16 - 07 - 2024

إن سلامة الفكر تمد الإنسان بطمأنينة النفس؛ فيشعر بالأمان والرضا بين مجتمعه، ولا تتراكم في وجدانياته ما يثير لديه خوف، أو وجل، أو خشية، أو فزع من أمور أو مجريات أحداث بغض النظر عن مرورها أو استدامتها، وحينئذ ينشغل بإعمال الذهن كي يمارس ما يفيد به نفسه ومن حوله، بل ومجتمعه قاطبة، ويتحقق لديه بأن النسق القيمي النبيل المنسدل من معتقده الوسطي المعتدل الخالي من كل مشوب يشكل منهجية حياته، ومن ثم يشارك في حمايته ويحارب ويتصدى لكل محاولات تبتغي النيل من مقدرات وطنه البشرية والمادية على السواء، وفي خضم ذلك تصبح الحياة مستقرة مبهجة يعلوها الأمل والتفاؤل والرضا.
ومحاولات طمس هوية الأمة وتكسير ثوابتها وتفتيت نسيجها منهج تتبعه نفوس بات المرض يتملكها؛ فقد أضحت مناشط الغزو الفكري تقرع الأبواب وتعمل بطرائقها الخبيثة لتضير العقول وتبتليها ببنى معرفية مشوبة؛ ليحدث الانحراف الفكري؛ فلا مقام ولا منزع عندئذ لثقافة وسلوكيات وتقاليد شكلتها حضارة الأمم على مر تاريخها وكفاحها؛ فما نسميه مكتسبات الوطن ليس بمحل اهتمام وتقدير وتعظيم من قبل أصحاب الفكر المنحرف، وهذا ناقوس خطر يجعلنا متيقظين لدينا من الأدوات والآليات الفاعلة التي تسهم في دحر الغايات غير الحميدة من ذوي النفوس غير السوية.
ولنوقن أن ثمرة الأمن الفكري ممتدة وحصاده مستدام؛ فلا إعمار ولا بناء ولا نهضة ولا بقاء لكيانات الأوطان ولا عدالة ننشدها ولا قيم تحض على سلوك محمود نرجوه ولا مستقبل نترقبه ونتطلع من خلاله لحياة كريمة بعيدًا عن هذا المفهوم في صورته الإجرائية وليس عند حد التنظير له؛ فقد بات على الدولة رعاية أمر الوقاية من الانحراف الفكري بصورةٍ ممنهجةٍ، تقوم على خطةٍ استراتيجيةٍ تنفذها كافة المؤسسات الرسمية منها وغير الرسمية.
ولندرك أن مرحلة الوقاية من الانحراف الفكري أهم مرحلةٍ تستدعي العناية والاهتمام والمتابعة والتقويم المستمر؛ حيث إنها تمكننا من الوقوف على واقع الأمر والتثبت منه؛ فنعمل على تحرى سلامة الفكر لدى أبنائنا بمراحل العمر المختلفة، على الدولة، وبصورةٍ مقصودةٍ ينبغي أن تحشد الطاقات وتوفر سُبل الدعم اللوجستي التي تعين على تحقيق برامج الحماية والوقاية من هذا المنزلق الخطير الذي قد يطيح بمؤسسات الدولة، ويذهب بنهضتها دون رجعةٍ؛ فإسهام هذه المرحلة يعتمد على الكشف عن البُنى المغلوطةٌ في كل مكونٍ من مكونات الجوانب العقيدية، أو النفسية، أو الاجتماعية، أو الاقتصادية، أو السياسية، أو العلمية، أو البيئية، أو الصحية، أو الثقافية، أو غير ذلك من الجوانب، ومن ثم يسهل تصحيح نمط الفهم الخطأ في مرحلة الوقاية من الانحراف الفكري.
ومن المراحل المهمة في تناول قضية الأمن الفكري المرور بمرحلة الحوار في صورته البناءة التي تشير إلى تفاعل يسمح بتبادل الرؤى والأفكار والآراء بين طرفين أو أكثر، ويرتكز في مجمله على الشفافية والتوافقية حول الصالح العام، ويعتمد في إنجاحه على أسس وآداب متعارف عليها، ويستمد مقوماته من هدفه السامي؛ ليتحدد عبر نتائج المناقشات تفاصيل القضية محل الخلاف أو الاهتمام، ومن ثم التوصل إلى الصورة الصحيحة التي لا يراها الطرف المعني بالحوار، ومن ثم يسعى لتصويب معتقداته وأفكاره حال قناعته بمفردات وتفاصيل الحوار.
وفي هذا السياق نؤكد على أهمية انتهاج المعيارية التي تضمن نجاح مرحلة الحوار البناء في معالجة الفكر المنحرف أو المشوب؛ حيث مراعاة الأسس والآداب المتعارف عليها التي تمكننا من أن نحدث ما يعرف بتكامل الرؤية تجاه القضية محل الاهتمام؛ وحينئذ نتمكن من سد الفجوات والثغرات وإزالة الشوائب التي تدور حول فكرة بعينها، وعندما تصير الرؤية شاملة يؤدي ذلك حتمًا لنقطة التفاهم التي تشكل الوعي في صورته السليمة بعد المرور بعدة مراحل تبدأ من تحديد القضية وتمر بحصر نقاط الخلاف وصولًا لمرحلة التصحيح بعد المقارنة بين ما هو خطأ وصحيح؛ حيث يحدث ما يسمى بالصراع الداخلي الناتج عن التناقض المعرفي، وفي نهاية المطاف نقف على الحقيقة المجردة، وهي غاية الحوار ومنشوده.
ونعلم أن الأمن الفكري يقوم على ماهية الإجماع، ويتنافى مع أحادية الفكر؛ لذا تشكل مرحلة الحوار البناء مسارًا فاعلًا في تحقيق الأمن الفكري، ومن ثم أضحت لغة الحوار مقومًا رئيسًا من مقومات تحقيق الأمن الفكري؛ حيث تعمل على تعزيز التفاهم بما يؤدي بشكل طبيعي إلى خلق بيئة تساعد على القبول والتسامح، ويسهم في دحر مداخل التعصب والعصبية لدى طرفي الحوار؛ فيصبح اهتمام الفرد متمحورًا حول البحث عن الحقيقة، والمعالج مركزًا على تصويب نمط الفهم الخطأ الذي أكد الفكرة غير السوية في ذهن هذا الفرد.
وعندما نواجه فشلًا في نتيجة الحوار مع الفئة المستهدفة، يحتم ضرورة اتخاذ الإجراءات والتي بها نحافظ على أمن البلاد القومي، ونؤكد على أن حدوث ذلك يتأتى بعد استنفاذ كافة المحاولات التي تتضمن أساليب وطرائق المواجهة المختلفة والمستهدفة لتصحيح الفكر المنحرف، من قبل المؤسسات المعنية بهذا الأمر ووفق ضوابط ومراحل وخطوات تعمل على إقناع الطرف الآخر بالعدول عن انحرافه.
وعطفًا على ما تقدم نرى أن فلسفة التقويم أضحت غاية في الأهمية؛ لأنها تشير إلى طريق العلاج الذي يجعلنا نصل لمرحلة الاستقرار وتعضيد الأمن الفكري في البلاد؛ فلا نترك أصحاب الفكر المنحرف في منعزل بعد تقييد حركتهم؛ إذ ينبغي أن تقدم لهم البرامج العلاجية التي تستهدف دحر أفكارهم غير الصحيحة، وفق مبدأ المحاججة؛ لنصل إلى حالة الاقتناع، ومن ثم تعديل المعوج من هذا الفكر، ولو استلزم ذلك جهود مضنية وعقود من الزمن.
وهناك ناقوس خطر يقرع مسامعنا ويحضنا أن نلتفت بشكل وظيفي إلى البيئة الافتراضية التي تحتاج لحماية تفرض على مواقعها؛ فتستبعد المواقع التي تحمل أفكارًا غير قويمةٍ أو لا تتسق مع ثقافة مجتمعنا وقيمه، وهذا المتطلب بمثابة تحصينٍ للمواطن الرقمي، ويوطد الاستقرار داخل كيان المجتمع؛ فنستطيع أن نضمن سلامة المكون الأيديولوجي الذي يتمسك به مجتمعنا النقي، وهنا تزداد الثقة بين هذا المواطن والدولة بمؤسساتها المختلفة، كما يتمكن من مجابهة ما قد يتعرض له من شائعاتٍ وأفكارٍ كاذبةٍ أو مغلوطةٍ عبر هذا الفضاء المنفلت أو غير المنضبط.
وهذا يدعونا إلى أن نتضافر تجاه العمل على توفير المستودعات المعلوماتية الرقمية الآمنة عبر البيئة الافتراضية؛ حيث إنها متطلبٌ مهمٌ ورئيس من متطلبات تحقيق الأمن الفكري عبر هذه البيئة، ومن ثم يجب أن تتعدد مواقع التواصل الاجتماعي الموثوقة والموثقة التي يستطيع أن يلج إليها المستخدم، ويحصل منها على ما يود معرفته، ويجنبه مسالك الجنوح الفكري الكامنة في بعض المواقع ذات التوجهات والمقاصد المنحرفة، كما ينبغي توافر المواقع الرسمية التفاعلية والتي تمد الفرد بالأفكار التي تحض على الفكر الوسطي والمعتدل والذي يتسق مع غايات وفلسفة مجتمعنا المصري الأصيل.
إن رعاية مؤسسات الدولة المصرية بشكل ممنهج لآليات ترسيخ القيم النبيلة والعادات والتقاليد الراسخة الأصيلة لدى أبناء الأمة، من خلال مؤسسات وطنية تعمل على تعضيد الوعي الصحيح بشتى أنماطه لهو المسار القويم، وهذا بالطبع يؤدي إلى تحصين الفكر ضد الهجمات التي تتناقض وتتعارض مع ما تستهدفه مؤسسات الدولة؛ فغاية تشويه الفكر تكمن في فلسفة الهدم الذي يضاد البناء والإعمار.
ومراجعة ما يتعلمه الإنسان أمر لا مناص عنه؛ إذ يجب أن نمده بما يسهم في بناء الفكر الصحيح لديه، وما يسهم في رقي تفكيره ويساعد في إعمال ذهنه؛ ليدرك الحقيقة ويكتشف مكنونها، ومن ثم تزول جهالته ببعض الأمور أو القضايا التي يتعرض لها بصورة مقصودة، وفي المقابل يتضح له الزيف الذي يقابل تلكما الحقيقة؛ فيستطيع ان يحل ما يواجهه من مشكلات ويتغلب على ما يعترضه من تحديات، ويقدم حلولًا مبتكرة للأزمات التي تفرض نفسها على واقعه المعاش.
وهنا نعول بصدق على ماهية التربية الصحيحة التي تُعد مقومًا رئيسًا للأمن الفكري؛ حيث إنها تهتم بالفرد بصورة تتسم بالتكامل في جوانبها؛ فتغذي الروح بصحيح الفكر والمعتقد، وتنمي مهاراته الاجتماعية التي تتسق مع قيم وعادات مجتمعه، وتعلى من تقدير الذات لتحفظ للنفس كرامتها، وتهتم بالوجدان ليصبح راقيًا ضابطًا للقلب والسلوك؛ فيخرج من حالة حب الذات إلى محبة الآخرين، وما وصف لا يعتبر مسئولية مؤسسة بعينها؛ لكنها مسئولية مجتمعية تشاركية.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.