مبادأة الإنسان في أن يتعلم، وفي هذا الخضم، يتعرف، ويفهم، ويستنتج، ويحلل، ويستنبط، ويستخرج، ويلاحظ، إلى غير ذلك من الممارسات التي تؤكد على سياج الإيجابية، وتجعله قادرًا على بناء أفكارٍ بناءة؛ ومن ثم لا يلتفت للشائعات؛ حيث يمتلك الأدوات التي يوظفها في البحث عن الحقيقة، والخروج بالنتائج التي تتسق مع لغة المنطق، ويتقبلها الذهن الراقي، الذي تجرع من كأس الاتصاف القيمي النبيل، وهذا ما نود أن يكون عليه شباب الأمة المصرية اليوم؛ إذ تشتد عواصف تشويه العقول، عبر فضاء اخترق العالم بأسره. نوقن أن جيل اليوم له مطالبه واحتياجاته، وله تطلعات تفوق ما نتخيل، وله طرائق لا تتناغم مع ما تربينا عليه في نمط المعيشة، وهذا أدعى إلى أن ننتبه لأساليب التربية التي تضمن لهم الحماية الفكرية، وتعزز لديهم الإيجابية، التي لا تحميهم فقط من الانحراف عن المسيرة القويمة، بل يستلهمون منها عمق الرؤى عبر فكر رشيد، يقوم على سياسة الأخذ والعطاء، والحب الطاهر الخالي من شوائب الأنانية والاحتكار، وهجر المصلحة الخاصة مقابل العامة، والحرص على فتح أبواب الخير، وتجنب فلسفة ضعف الاكتراث بالآخرين. تعزيز الإيجابية لجيل اليوم، تقوم على فلسفة رئيسة، تكمن في إكساب الأبناء المهارات التي تتعلق بطرائق التواصل المباشر مع الآخرين، سواءً أكانت افتراضية، أم واقعية، كما أنها ترتبط بتعزيز العاطفة لديهم؛ كي لا تؤثر الآلة في مشاعرهم وأحاسيسهم؛ فيصبحوا كالروبوت الذي ينفذ المهام بدقة، دون أن يعبأ بخصائص الإنسانية، التي تضمن ماهية التذوق لمفردات حياةٍ مفعمةٍ بالحيوية والانسيابية؛ ومن ثم ينبغي علينا أن نجهض الأفكار التي تعظم من المادية، وتحد من رقي الوجدان، ورفاهية النفس، التي تشعر بالآخرين وبالذات، ومنح الفرصة للاستمتاع في إطاره المشروع، الذي يتناغم مع ما ندين به من فضيلة؛ فلا نصاب بإرهاق وتوتر يجعلنا، نعاني من اضطرابات لها آثار سلبية غير متناهية. الإيجابية والمناعة الفكرية، تشتركان في قاسم الوعي القويم؛ حيث المعرفة التي تتغذى عليها العقول، وتوظفها الحواس، وتترجمها المواقف، وهنا نرى أن التربية تقع على عاتقها غرس قيم الاحترام والتفاهم، عبر الحوار البناء، والتمسك بالوسطية، والاعتدال في الأحكام، التي تقوم على شواهد وأدلة، لا ترتكن إلى ذاتيةٍ، ناهيك عن تحمُّل المسئولية سواءً ارتبطت بالمهام التي تقع على كاهل الفرد أو الجماعة، وصور المسئولية الاجتماعية، التي تعزز لدى الأبناء ضرورة المشاركة؛ مما يزيد من التكافل والترابط والتراحم؛ كي نصل عن قناعة إلى فلسفة الاندماج المجتمعي، الذي يعضد تماسكنا ويقوي وحدتنا. المناعة الفكرية والإيجابية، تتوافقان حول ثوابت ترسيخ منظومة القيم، التي نستلهم منها السلوكيات الصحيحة؛ لذا نحتاج أن نوفر البيئة الحاضنة لهما، ونتفهم احتياجات فلذات الأكباد، حتى يصبحوا على قدر من النظامية، يمتلكون حدود التعامل الحسن؛ حيث المودة، والاحترام، والمقدرة على الوصال، وتقدير الجهود، والثناء على كل عطاء حميد، وتحري الدقة في العمل وبذل أقصى ما في الجهد، والسعي تجاه تنمية المهارات المختلفة، ومنها القدرة على القيادة وإدارة الوقت والتخطيط، وفق رؤى مستقبلية مبنية على خبرات تقوم فلسفتها على المنهجية العلمية. نحن في أشد الحاجة إلى أن نهتم باليقظة الفكرية لدى الأبناء، من خلال توفير العوامل التي تساعد على ذلك، وهذه إيجابية تجعلنا حريصين على أن نعزز مسببات الطمأنينة في الوجدان؛ كي لا يتسلل إلى خواطرهم بوادر القلق ودواعي الانفكاك عن منظومة القيم، وهنا يتوجب أن نصوغ مزيد من الأنشطة التي تقوي المناعة الفكرية، وتزيد من معدلات الإيجابية لدى فلذات الأكباد؛ ليصبحوا حائزين على المشاعر الطيبة، التي تولد الطاقات المعطاءة في مجملها.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع. أستاذ ورئيس قسم المناهج وطرق التدريس كلية التربية بنين بالقاهرة _ جامعة الأزهر