عندما نتحدث عن ماهية الذوق العام؛ فإن ما نرصده من محتوى رائج على مواقع التواصل الاجتماعي، وما يبث من سطحية في العرض، وما تحمله من أفكار تشوه الوعي، وتضعف الرؤى نحو صورة المستقبل، وتفقد القيمة، بل، تورث في النفس الفتور، وتحد من الإيجابية، وإن شئت فقل تكرس السلبية لدى الذات؛ ومن ثم لا تكترث للمغزى، ولا تتذوق المعني، وهنا تكمن الخطورة؛ حيث تتحول العقول من واحة إنتاجية الفكر إلى بوتقة الاستهلاك؛ حيث التلقي والاعتمادية. فلسفة تنوير عقولنا تقوم على صيب نتاج فكري رصين، يعمل على إثارة ما لدينا من ملكات، ويحفز الأفهام، ويستثير الأذهان؛ لتغوص في عمق هذا النتاج؛ فتستلهم منه جديد من الفكر، بل، قد تستنتج من بين سجاياه علاقات ارتباطية لها طابع الجدة، تصف انسجامًا وتناغمًا بين المتغيرات، بما يساعدنا على استخلاص ملامح رؤى خاصة بنا، وهنا تصبح العقول مفعمة بالنشاط، وتصير النفس متشبعة بثمرات هذا النتاج، الذي يسهم في توسيع دوائر الأفق لدينا؛ فيحركنا نحو تأملات، نصل من خلالها لحلول ناجزة، لما قد يمر على خلدنا من مشكلات آنية، أو مستقبلية، وهو ما يعزز فينا الثقة بالنفس، التي دومًا ما تتأهب لمطالعة مخرجات النتاج الفكري، النافع في مكنونه ومكونه. نعاني من زخم للمحتوى الذي يعطب العقول؛ حيث يحمل مفاهيم مغلوطة، ومستوى من العرض رديء، ولغة متدنية في السياق والمعني، ورسالة غالبًا ما تحض على الانغماس في غيابات التفاهة، وفكرة تقود حتمًا لهجر القيم واتصافها، التي تشكل المنعة والحصانة للذهن، وتلميحات تحث على النشوز من كل قويم، وإيحاءات تستثير جموح النفس نحو الغواية، والهرولة نحو مصادر الرذيلة، وهنا لا يتوقف الأمر عن حد المعاني، والمضامين المشوهة، بل، يفتح الباب على مصراعيه؛ ليخوض الإنسان تجارب غير محمودة العواقب؛ ومن ثم يسقط بكل سهولة في هاوية سحيقة. نحن في أمس الحاجة للمعرفة الرصينة، التي تشمل في طياتها معلومات ثمينة، تنير طريقنا، وتعدل من سلوكياتنا، وتملء قلوبنا طمأنينة، وتعمق من فهمنا، تجاه أطر الحياة الزاخرة بالقضايا، والمشكلات، والأحداث المتجددة؛ ومن ثم نستطيع بكل ثقة أن نصنع القرارات اليومية، التي نقوم على أثرها بممارسات حميدة، تزيد من لحمتنا ومحبتنا، وتمدد من صور الشراكة فيما بيننا؛ لنتبادل الخبرات المربية النوعية فيما بيننا، ونقف على طريق الهداية؛ لنحمي عقولنا من شرور الشائعات المغرضة، التي لا تشوه الفكر فقط؛ لكن تصنع عثرات تجعلنا نتوقف كثيرًا عن تحقيق غاياتنا المنشودة. نأمل الاهتمام البالغ بالنتاج الفكري، الذي يحفز عقولنا على الابتكار، بالإقبال على أبوابه، عبر بيئة حاضنة لمهاراته الرئيسة؛ ومن ثم نلحق بركاب التقدم في مجالاتنا المتباينة، ونشعر بالفخر من مستهدفات حققناها بمقومات بنات أفكارنا التي تبهر من يتمكن مكنونها الراقي، ناهيك عن مهارات تفكير عليا، نوظف من خلالها مخرجات التحليل؛ لنضع تصورات طموحة، تعزز من صور السيناريوهات المتفائلة، التي نرسمها في ضوء مراحل، تتضمن خطوات للتخطيط، والتنفيذ، والمتابعة، والتقويم، وهذا في مجمله يصقل رصيدنا الثقافي، ويدعم إضافات لملامح الحضارة التي نمتلكها. نوقن أن النتاج الفكري الرصين، يسهم في تعزيز قيم الولاء والانتماء، ويساعد في تشكيل الهوية الوطنية، التي نعمل جميعًا على تعزيز مفرداتها، في سلوكيات، ووجدانيات، ومعارف، فلذات أكبادنا، عبر بوابات مؤسسات عديدة، ومن خلال أنشطة، ومناشط، مخططة؛ ومن ثم تقدم بصورة مقصودة؛ ليمتلك الأبناء الثقافة، وما تحويه من تراث غزير؛ كي تتمكن من بناء جسر للمستقبل، لا ينهكها مشكلات الحاضر وتجاربه المريرة، ولا ينال من عزيمة هذا الجيل أصحاب الفكر المنحرف، في شتى بقاع المعمورة. القراءة الناقدة، أحد أهم المسارات التي تجعلنا نفرز الغث من الثمين؛ ومن ثم نطالع ما يغذ الوجدان، ويحفز الأذهان، ويعزز الإيجابية، ونتجنب كل ما يضير بالأفهام، ويورث قبح التفكير، ويوقف يقظة المنطق؛ فما نريده ونرجوه أن يقفز الإنسان على متون نتاج فكري يانع، يقطف منه ما يلبي احتياجات،ه ورغباته المشروعة.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع.