عزيزي القارئ، مما لا شك فيه أن التحرر إنه رحلة نحو الذات لتحريرها من قيود أودت بسلامها النفسي إلى طريق لا ينتهي، والقصة هنا تعلم الإنسان أن يدرك قيمته بل وتكون ذاته هو الاختيار الأول والأخير دون أن يؤذي غيره، وأن يقول "لا أستطيع، دعني أفكر في الأمر، عذرًا هذا فاق مقدرتي"، والكثير والكثير من هذا القبيل. وأن الصمت على الإجبار أو الاقتدار يكون خيانه للروح قبل الجسد. وخير ما قيل قول الحق تعالى فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره.. إلى آخر الآية الكريمة، أي أن السلام الحقيقي يبدأ من الداخل، من اتساع الصدر وقدرته على الفهم لإدراك الأمر المنوط به، كل لما خُلق له.
وفي الإنجيل جاء: "تعرفون الحق، والحق يحرركم" لتؤكد أن التحرر المعنوي يبدأ من مواجهة الذات بالصدق. كما قال طه حسين: "العقل كالمصباح، لا يضيء إلا إذا أُشعل"، فكيف نضيء داخلنا إن لم نتعلم إشعال الوعي بدل أن نعيش في ظلمة الخوف والتبعية؟
ومن هنا تأتي ثقافة التحرر المعنوي من الأذى النفسي،لتكون أول خطوة نحو "استعادة إنسانيتنا". فليس التحرر أن نغضب أو نثور على الآخرين، بل أن نتوقف عن منحهم القدرة على إيذائنا، أن نتحرر من الحاجة التي تُجبرنا على قبول ما يخالف الروح. نعم نتحرر من عادة تبرير الكلمة التي تجرح، أو الخذلان الذي يؤلم. لا يجب أن يتحول إلى سجن روحي غير محدد المدة. وهنا أتذكر قول العظيم الأبنودي: "اللي باع الحلم يقدر يشتري راحته؟". فمن يفرط في ذاته لإرضاء الآخرين يخسر الاثنين معًا.
احتفظ بحدودك دون أن يمس حقك مَن الآخرين، فالتحرر معانٍ كثيرة: هو أن نغفر دون أن نعود، وأن نحب دون أن نذوب، وأن نختار السلام على الصراع دون أن نفقد كرامتنا. فمن يمتلك سلامه الداخلي يمتلك زمام حياته كلها.
نعم عزيزي القارئ، التحرر الحفاظ على سلامك الداخلي دون الانتقاص أو التفريط في حق من حقوقك للغير بحجة "خليها تمشي". معذرة، لن تسير إلا في سلام وأمان لنصل إلى المأرب الحقيقي لما خُلقنا له.
أعلم السؤال الذي يدور بذهنك الآن: لمَ نتدرب إلا على ردود الأفعال؟ لذا نفقد الكثير في البحث عن المفقود، وفي الآخر يفقد الموجود!!️ ونخضع للأمر الواقع بهروب روحاني "لعله خير"!!️
عزيزي القارئ، هذا الأمر يحتاج إلى توعية، وخير داعم لذلك الإعلام الذي يُلخّص دوره من خلال أدوات تتمثل في الإيجابيات من خلال مختصين مشهود لهم بالكفاءة والخبرة الإنسانية ومقربين إلى القارئ أو المشاهد كأحد وسائل الجذب الإعلامي. فهو أعمق من مجرد ترفيه أو خبر عابر. فالإعلام أداة وعي وتحرير، وعندما يختار رسائل إيجابية تزرع السلام الداخلي بدلًا من الخوف والمقارنات، يصبح شريكًا في شفاء المجتمع من خلال نماذج متوازنة تعلم الناس أن الحب لا يعني الفناء، وأن الاحترام لا يعني الصمت على الأذى.
وخير مثال قول العبقري طه حسين: "غاية التعليم أن يعلم الإنسان كيف يفكر بنفسه، لا أن يكرر ما يسمعه"، وهذا هو جوهر الإعلام الواعي، أن يوقظ العقول لا أن يملأها. وحين يسلط الضوء على قصص حقيقية لأشخاص تحرروا من الخوف واستعادوا أنفسهم، فهو يمنح الناس الأمل في الشفاء ويزرع فيهم قيمة السلام الداخلي كقوة لا كضعف.ومحاولة زرع الثقافة التي تمثل جناح الوطن الخفي، وسلاحًا لحماية العقول. فالأوطان تُبنى بالعقول الهادئة والنفوس المتصالحة مع ذاتها. الثقافة الواعية تعلم أبناء الوطن أن السلام لا يتحقق فقط حين تتوقف الحروب، بل حين يتوقف الصراع داخل النفس.
وقد أكدت قيادتنا السياسية هذا الأمر منذ البداية ونوّهت إلى أن: "أخطر ما يواجه أي وطن هو تدمير وعيه، لأن الوعي هو خط الدفاع الأول عن الدولة"، وهذه الكلمات تلخص معنى التحرر الحقيقي نعم ، أن نحرر عقولنا من الجهل والتبعية من أجل متطلبات مادية نفقد بها الذات.
وهذا ما أشار له أستاذنا العظيم العقاد، الذي أوضح أن حرية الفكر لا تكتمل إلا في ظل وطن آمن يحميها. فلا سلام داخلي بلا وطن يحتضنك، ولا وطن قوي بلا إنسان مؤمن بنفسه، محب لأرضه، يعرف أن الانتماء فعل مستمر لا شعار. يدرك أن الثقافة التي تنشر قيم التسامح والانتماء وتحتفي بالهوية المصرية تزرع في الإنسان طمأنينة الانتماء، كما قال الأبنودي: "بلدي يا بلدي يا غالية، فيكي الأمان لو نفوسنا صفا."
وعندما تتكامل الثقافة والإعلام في بناء إنسان متصالح مع ذاته ووطنه، يصبح المجتمع أكثر وعيًا، يسعى أفراده إلى السلام النفسي لا للهروب، بل للعطاء والبناء.
عزيزي القارئ، التحرر في النهاية ليس أن نغادر مكانًا، بل أن نغادر خوفًا. هو وعي ناضج يجعل الإنسان يسمو على جراحه، ويتعلم كيف يحب نفسه ووطنه دون قيد أو ضعف. سلام النفس هو أساس سلام الوطن، ومن يملك سكينة قلبه يملك أن يبني وطنًا أقوى وأجمل.
وكعهدكم بي دائمًا، أكتب لأوقظ فيكم ما خمد، لأقول إن "لا" حين تُقال بوعي وفي وقتها قد تكون أجمل طريق نحو "نعم" للحياة الهادئة. الإنسان أهم كنوز الرحمن، فحافظ على ذاتك تصل إلى ما تصبو إليه.