جًرب أن تسأل أحد الأطفال، أو الشباب ممن هم دون ال18 سنة، عن الفنان زكى رستم، أو الفنان محمود المليجى، أو عن وحش الشاشة فريد شوقى، أو جًرب أن تسأله عن محمد حسنين هيكل، أو صلاح عيسى، أو غيره، قد يقول القارئ هذه شخصيات بعيدة عن الأجيال الجديدة، فلنجرب أن نقرب المسافات فلنسأله عن أي فنان أو مطرب، أو سياسى ، أو شخصية عامة في تلك الفترة ممن كبروا في السن بعض الشئ، والحقيقة أن الإجابات ستكون صادمة للغاية!!. أتذكر بنتى نورين، وهى تقول " أنا مش بحب الأفلام "الجراي" أي الأفلام باللون الرمادى"، والتي نقول عليها أفلام أبيض وأسود، ونورين للحقيقة تتحدث حول القضية الفلسطينية، لمتابعتى لها في المنزل، ويمكنها أن ترانى كثيرا أقرأ كتبا، لكنها في النهاية طفلة، و حالها مثل حال جيلها، الذى سيضع منه ورث عظيم، وكنز كان أحق أن يكون تراكمه وسيلة لزيادة رصيده، لااختفاءه. مايحدث في عملية الفقد المستمرة لورثنا في الفنون والثقافة، يحدث نتيجة للقطيعة بين الأجيال، وهو انقطاع تام، ساهمت فيه السوشيال ميديا، وحمل التلفون بالساعات بالنصيب الأكبر، فالتلفون لا يقضى فقط على الاتصال الاجتماعى، والعلاقات الاجتماعية، بل هو وسيلة مجحفة لتجريف العقول، وصناعة عقول فارغة، لا تحمل في مضمونها أي أرضية.
العبء الأكبر يقع على الأسرة "الأب والأم" و على المدرسة، بضرورة ايجاد وسيلة لانتشال أطفالنا وشبابنا من ذلك، وكما يقول المثل " ما حك جلدك أقرب من ظفرك"، وأظن أن أطفالنا وشبابنا لن يفهموا هذا المثل!!، وهو بالمعنى الشائع لديهم، أنك أنت الأولى بتغيير حالك، قبل أن تبحث عن غيرك لتغييره، وهو الدور المسئول الذى يجب أن تقوم به الأسرة، فلا يصح ان نأمر أولادنا بترك " الموبايل" ونحن نمسك الموبايل بالساعات، كما لا يجوز أن نأمرهم بالقراءة، والتعلم، ونحن لا نحمل كتابا واحدا، ولا نقترب من الكتب، بل لا يمكن أن نضع الكارتون أمامهم في الأعمار الصغيرة، ولا نعطيهم فرصة لمشاهدة الوثائقيات.
نحن جميعا أمام خطر كبير يعتمد على تفتيت لكل قيمنا، وكل ما نجتهد من أجله، فلن يمكننا أن نرفع نسبة الوعى، ونحافظ على الوطن، ونحن لدينا أجيالا ترهقها الكتابة بالقلم، وتهرب من " تترات" وإعلانات الأعمال الدرامية، بل وتسرع العرض، حتى تحصل على المغزى بأقل جهد ممكن، وتلك حالة خطورتها تكمن في أن استمراريتها تحجم التفكير عموما، مثلما تعود المعدة على أكل أقل، ومع الوقت تجد نفسك تأكل بدون أن تخطط أكلا أقل. هذا ما تفعله السوشيال ميديا، ومن مؤشراتها أنك تجد طفلا لا يتجاوز عامين أو ثلاثة وهو يقول " أوف"، و " أنا زهقان"، وهى عبارات جوهرية، تشرح جرم ما نفعله في أطفالنا وأولادنا.