كنت اتابع تلك المنافسة الشرسة بين " زهران ممدانى" و " أندرو كومو" على منصب عمدة مدينة "نيويورك"، وكنت أتساءل دائماً هل سيحقق " ممدانى" المسلم صاحب الجذور الهندية الفوز حقاً على " كومو" الحاكم السابق للمدينة والأمريكي 100% ، هل سيتحقق حلم الأديب الأمريكي " إياد اختر" ويحترم المجتمع الأمريكي أصحاب الأصول الإسلامية ويكسر أحدهم القاعدة ويصل إلى منصب سياسى مرموق كهذا ، أم ستظل حرية الرأي واحترام الأخر وتقديره وفقاً للكفاءة بعيداً عن حسابات الدين والعقيدة مجرد شعارات حبيسة الحلم الأمريكي غير المفعل على أرض الواقع . ووسط توقعات وتكهنات بخسارة "ممدانى" وجدت نفسى انتصر لرؤية الأدب وأميل لتوقعاته ، فاستطاع " إياد اختر" أن يسبق تلك الأحداث بحوالي 12 عام، حينما أصدر مسرحيته" Disgraced " أو موصوم بالعار في عام 2013، والتي تحدث فيها عن الصعوبات التي تقابل أصحاب الجذور الإسلامية في طريقهم نحو تحقيق مناصب سيادية داخل الولاياتالمتحدةالأمريكية، والمدهش هنا أن بطل الرواية " أمير" ينطبق عليه تماماً صفات " زهران ممدانى" ذلك الشاب المسلم الطموح صاحب الجذور الأسيوية" باكستانى" يحارب طواحين العنصرية داخل المجتمع الأمريكي لتحقيق طموحه السياسى، ووسط تلك المعارك يكشف لنا " اختر" الوجه الأخر للاضطهاد المهنى للأمريكيين المسلمين، ويكشف لنا تنصل البعض من هويته المسلمة ليحقق المزيد من النجاحات داخل مجتمع يرفض النجاح لكل ما هو ليس أمريكى 100% والمدهش هنا أن بطل الرواية ما هو إلا شخصية الكاتب نفسه، فوجدت أن البطل والكاتب يتشابهان إلى حد التطابق مع " زهران ممدان" ، " فإياد اختر" كان سياسيا وناشطاً اشتراكياً أمريكياً تماماً مثل " ممدانى" له أصول باكستانية حيث هاجر معظم أسرته إلى أمريكا مع الوافدين الجدد بحثاً عن الحلم الأمريكي في تحقيق الثراء والمساواة. ، وولد عام 1970 داخل الأراضى الأمريكية فهو مولود أمريكى أصيل ومع ذلك ظل يعانى من التفرقة والتمييز بسبب أصوله الأسيوية واستطاع أختر وسط هذه الظروف والتحديات أن يخلق لنفسه مكانة خاصة بين كتاب أمريكا، وانتمى إلى المسرح السياسى وقدم أكثر من عمل في هذا النهج، وكان على رأسهم " العار" أو موصوم بالعار" المسرحية التي تنبأت بأحداث اليوم، أثارت جدلاً كبيرا في المجتمع الأمريكي لما طرحته من قضايا حساسة ، وواجهته بعيوبه وعوراته . ربما يعود نجاح المسرحية وصدقها إلى أنها نقلت وجهة نظر الكاتب ، ومثلت شخصياتها أرائه المشتتة والمتناقضة، فاستطاع اختر أن ينقل التناقض الذى يعيشه بين أصوله وثقافته الإسلامية وبين محاولات اندماجه بالمجتمع الأمريكي الذى رأى أنه يدعى المثالية واكتشف أنه يحمل بين طياته العار الحقيقى، فأصبح " اختر لا ينتمى لأصله وتاريخه ولا لحاضره الأمريكي وانتزع الحلم الأمريكي هويته فأصبح لا يعرف من هو وإلى أي أرض ينتمى ، وهو الأمر الذى نقله من خلال قصة " أمير" المهاجر صاحب الأصل الباكستانى أيضاً الإسلامي والمندمج في المجتمع الغربى تحت مظلة الدين الهندوسى في محاولة لتزييف هويته الدينية للتقرب من السلطة والارتقاء في عمله ، كما قدم اختر أكثر من شخصية تحمل صراعات داخلية وخارجية ما هي إلا صورة للصراعات الحقيقية التي يعانى منها المهاجرين ، ويعانى منها الأمريكيون على حداً سواء، لذلك لم يرض اختر أحد فالمسلمون لم يرضوا عنه لهجومه على بعض المعتقدات المتطرفه، والأمريكيون أيضاً لم يرضوا عن النص بسبب كشف العنصرية وعدم تقبل الأخر التي يعانى منها المجتمع ، وفى النهاية أدان اختر كل الأطراف ، ادان الذين مازالوا يعتقدون في الحلم الأمريكي، وأدان المجتمع الأمريكي نفسه الغارق في الأوهام، وترك النهاية مفتوحة حالماً بأن يأتي اليوم الذى يصل فيه أمريكى مسلم له جذور غير أوروبية إلى منصب قيادى عن جدارة ، وهو ما تحقق الأن في فوز " ممدانى" بعمادة نيويورك في عمر لا يتجاوز ال 34 . بعد أن شغل عضوية الحزب الديمقراطي والاشتراكيون الديمقراطيون الأمريكيون، ومثل الدائرة السادسة والثلاثين في جمعية ولاية نيويورك عن منطقة كوينز منذ عام 2021، وفاز في الانتخابات التمهيدية الديمقراطية على " أندرو كومو" الأمريكي 100% قبل أن ينتصر في الانتخابات العامة ، فهل فعلاً يتحقق حلم " إياد اختر" بفوز بطله الواقعى " ممدانى" ؟؟ أم ستظل النهاية مفتوحة ؟.