يا له من شعور، وأي فخر يغمر القلب، ونحن نشهد العالم يشد الرحال، يتوقف، وينظر. وكأن لسان حال الأرض يردد: "وقف الخلق ينظرون كيف أبني المتحف المصري الكبير وحدي!". إنه ليس مجرد مبنى، بل هو همسة الحضارة الخالدة في أذن المستقبل، وإعلان مجيد بأن مصر، أم الدنيا، لا تزال تعرف كيف تبهر العالم. في الأول من نوفمبر 2025، تتجه أنظار الكرة الأرضية نحو هضبة الجيزة، ذلك الموقع الذي شهد ميلاد أعظم أسرار التاريخ. هناك، على بُعد ميل واحد فقط من الأهرامات الشامخة، يفتتح المتحف المصري الكبير (GEM) أبوابه بالكامل. هذا الافتتاح ليس تدشينًا لجدران من المرمر، بل هو تتويج لمسيرة حب وعزيمة استمرت لربع قرن، واحتفال بقدرة هذه الأرض المباركة على الصمود والتجديد. أجل، لقد وصفت صحف العالم المتحف بأنه "أيقونة" و "أسطورة حديثة". تخيلوا معي، صرح يمتد على مساحة تفوق 500,000 متر مربع، أي ما يعادل ضعف مساحة متحف اللوفر ومرتين ونصف مساحة المتحف البريطاني، ليصبح بذلك أكبر متحف أثري مخصص لحضارة واحدة في العالم. لكن العظمة الحقيقية التي استقطبت قلوب الكتاب والمحللين تكمن في قصة بنائه وعلاقته الروحية بأعظم أيقوناتنا.
همسة في أذن الزمن إننا، كأبناء لهذه الأرض، نعرف أننا نتعامل مع أزمنة تمتد لآلاف السنين. لذا، حين ترى التقارير العالمية مسيرة الإنجاز الطويلة، لا تعدها إخفاقًا إداريًا. بل تحولت في السرد الإعلامي إلى جزء من الملحمة المصرية، بأسلوب أدبي رقيق يقول: "لا يهم بضع سنوات من التأخير في بلد تعد فيه القرون مجرد فصول". هذا التحول في النظرة هو شهادة على قدرتنا التاريخية على الصمود وإكمال مشاريعنا الكبرى رغم كل العقبات. وهل هناك فخر أعظم من أن يرى العالم نجاح الافتتاح الكامل في نوفمبر 2025، في ظل تحديات إقليمية عصفت بالمنطقة؟ إنها رسالة صريحة تطلقها مصر، مفادها أن الاستقرار الثقافي والالتزام بالحضارة يتجاوز كل التوترات. فالدولة التي تنجح في إطلاق هذا الصرح الضخم في خضم اضطرابات الجوار، تبعث برسالة طمأنة عالمية حول قدرتها على إدارة الإرث والمستقبل معاً.
حوار بين الحاضر والأبدية لا يمكن فصل الروح المعمارية للمتحف عن موقعها الملهم. لقد اختيرت هضبة الجيزة ليكون المتحف "عتبة بين الآثار المنضبطة والامتداد غير المقيد للقاهرة المعاصرة". إنه يمثل مركز حوار، لا معزلاً، بين فترتين زمنيتين يفصل بينهما آلاف السنين. العمارة هنا لم تسع لمنافسة عظمة الأهرامات، بل سعت إلى تقوية ذلك الاتصال العميق بالتاريخ والمكان. هذا التناغم يمثل نضجًا معماريًا وطنيًا يجعل الحداثة تتواضع احترامًا للأصول. وعندما تطأ قدم الزائر البهو الشاسع، يستقبله تمثال مهيب لرمسيس الثاني، الذي يزن 82 طنًا. يراه المراقبون الدوليون "قائدًا صامتًا" يسيطر على المشهد، مؤكدًا على الفور أن هذا المتحف هو تجسيد ل "نهضة وطنية". أما الدرج العظيم، فهو ليس مجرد ممر، بل وصفه العالم بأنه "معرض رأسي"، رحلة زمنية متكاملة تصطف على جانبيها تماثيلنا الضخمة، لتربط عصورنا القديمة بسلاسة.
كنوز توت عنخ آمون: القلب الذي ينبض بالذهب إذا كانت هندسة المتحف هي الغلاف الذي يحمي حلمنا، فإن كنوز توت عنخ آمون هي القلب النابض الذي يملأنا بالفخر. إن الافتتاح الكامل يعني العرض لأكثر من 5,000 قطعة من كنوز الملك الذهبي، معروضة معًا لأول مرة في التاريخ. هذا ليس مجرد تغيير في مكان العرض، بل هو تحول من عرض القطع ك "مفردات جميلة" مجزأة إلى تقديم "جملة تاريخية كاملة". لقد تجاوز المتحف النماذج القديمة بفضل منهجية مبتكرة سعت إلى "تجاوز معاملة الآثار القديمة كجوائز جمالية". فقد تم تصميم مسارين مزدوجين للزوار: الأول يتبع حياة الملك، والآخر يبدأ مع اكتشاف هوارد كارتر، لنسافر عبر الزمن وكأننا جزء من الاكتشاف. هذا الاندماج بين أصالة كنوزنا واستخدام التقنيات الرقمية، يعلن عن وجه جديد لمصر: دولة تعرف كيف تحافظ على ماضيها وتقدمه للعالم بأسلوب معاصر.
قوة ناعمة تلامس القلوب إن الصحافة العالمية لم تكتفِ بالاحتفاء بجمالنا الأثري، بل تعمقت في مغزاه الاستراتيجي. لقد اعتبرته "نهضة وطنية"، و "رمز حديث للقوة الناعمة لمصر" و "أداة دبلوماسية فريدة". في سياق إقليمي مضطرب، يصبح هذا الاستثمار الثقافي خيارًا استراتيجيًا يرفع من مكانتنا. فافتتاح هذا الصرح يؤكد دورنا المحوري كوسيط استقرار ومركز للقيادة الثقافية في المنطقة. إن المتحف هو أيضًا "محفز" استراتيجي لقطاع السياحة، الذي يعد مصدرًا حيويًا للعملة الأجنبية. هناك توقعات عذبة باستضافة 18 مليون سائح في عام 2025، والوصول إلى 30 مليون سائح بحلول عام 2028. هذا التنسيق بين عظمة المشروع الثقافي وتطوير البنية التحتية المصاحبة يؤكد أن المتحف ليس مجرد وجهة، بل هو مركز تنموي متكامل.
إعلان مجيد بأن الحضارات لا تموت لقد نجح الافتتاح الكامل للمتحف المصري الكبير في تحويل التغطية الصحفية من مجرد سرد للأخبار إلى تحليل معمق لوظائفه الثقافية والاستراتيجية. لقد أكدت التغطية الدولية على أن المتحف ليس مجرد نهاية لمشروع بناء، بل هو بداية لعصر جديد للسياحة والمتاحف العالمية. إنه يقدم رؤية متكاملة لحضارتنا، معتمدًا على هندسة تحاور الأهرامات وتكنولوجيا تخدم السرد التاريخي. يمثل المتحف المصري الكبير دليلاً على أن الثقافة والحضارة هما القوة الدائمة والرافعة الحقيقية للتأثير الوطني في القرن الحادي والعشرين. إنه "إعلان" صريح ومجيد بأن الحضارات لا تموت، ولكنها تولد من جديد، لتقدم نفسها للعالم كبوابة إلى الأبدية.